-إن قيل كيف ساغ للبخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدل عليه احكامهم فالجواب أنه لم يقصد ذلك بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي ?جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل إنسى أو جني وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج
-قوله ملك الختان قد ظهر أي غلب يعني دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب وهو كما قال لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية ومقدمة الظهور ظهور
-قوله من هذه الأمة أي من أهل هذا العصر
-أن اليهود يختننون
-أن العرب كانوا يختننون أيضا
-هونوا على هرقل الأمر وأشارو عليه أن يكتب إلى مداين ملكه فيقتلوا من فيهم من اليهود
–قوله فبينما هم على أمرهم أي في هذه المشورة أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان وملك غسان هو صاحب بصري، جاء الرجل يخبر عن خبر رسول الله ?و فسر ذلك بن إسحاق في روايته فقال خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فقد اتبعه ناس وخالفه ناس فكانت بينهم ملاحم في مواطن فتركتهم وهم على ذلك فبين ما أجمل في حديث الباب لأنه يوهم أن ذلك كان في أوائل ما ظهر النبي ?
-قال هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، فهرقل كان يعلم أن النبي ?يملك هذه الأمة
-ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم ليتأكد
-وسار هرقل إلى حمص لأنها كانت دار ملكه وكانت في زمانهم أعظم من دمشق، فلم يرم حمص أي لم يبرح من مكانه حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي?وأنه نبي
-قوله وأنه نبي يدل على أن هرقل وصاحبه أقرا بنبوة نبينا ?لكن هرقل كما ذكرنا لم يستمر على ذلك بخلاف صاحبه
-دخل هرقل القصر ثم أغلقه وفتح أبواب البيوت التي حوله وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها ثم اطلع عليهم فخاطبهم وإنما فعل ذلك خشية أن يثبوا به
-فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي، فكان هرقل متيقنا بنبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، وأن في اتباعه الفلاح والرشد وحتى ثبوت الملك لأنهم إن تمادوا على الكفر كان سببا لذهاب ملكهم كما عرف هو ذلك من الأخبار السابقه
-فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت أي نفروا وشبههم بالوحوش لأن نفرتها أشد من نفرة البهائم الانسية وشبههم بالحمر دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة بل هم اضل
-فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل فيما يتعلق بهذه القصة المتعلقة بدعائه إلى الإيمان
-كان هرقل يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلموا بإسلامهم فما أيس من الإيمان ورأى أنهم لن يطيعوه، وأن ملكه سيذهب تراجع، ولم يسلم، لقد كان قادرا على أن يفر عنهم ويترك ملكه رغبة فيما عند الله لكنه آثر الفانية على الباقية
-قال ابن حجر ختم البخاري هذا الباب الذي استفتحه بحديث الأعمال بالنيات كأنه قال إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة وإلا فقد خاب وخسر فظهرت مناسبة إيراد قصة بن الناطور في بدء الوحي لمناسبتها حديث الأعمال المصدر الباب به ويؤخذ للمصنف من آخر لفظ في القصة براعة الاختتام وهو واضح مما قررناه
-وفال فإن قيل ما مناسبة حديث أبي سفيان في قصة هرقل ببدء الوحي فالجواب أنها تضمنت كيفية حال الناس مع النبي ?في ذلك الابتداء ولأن الآية المكتوبة إلى هرقل للدعاء إلى الإسلام ملتئمة مع الآية التي في الترجمة وهي قوله تعالى:"إنا اوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح" الآية وقال تعالى:"شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا" الآية فبان أنه أوحى إليهم كلهم ان اقيموا الدين وهو معنى قوله تعالى:"سواء بيننا وبينكم" الآية
-ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ثم كان عند سبطه فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب فلما رآه استعبر وسأل أن يمكنه من تقبيله فامتنع قلت وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت فقال لي لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا انتهى
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
¥