وأصحاب الرأي والقياس حملوا معاني النصوص فوق ما حملها الشارع وأصحاب الألفاظ والظواهر قصروا بمعانيها عن مراده فأولئك قالوا إذا وقعت قطرة من دم في البحر فالقياس أنه ينجس ونجسوا بها الماء الكثير مع أنه لم يتغير منه شيء البتة بتلك القطرة وهؤلاء قالوا إذا بال جرة من بول وصبها في الماء لم تنجسه وإذا بال في الماء نفسه ولو أدنى شيء نجسه ونجس أصحاب الرأي والمقاييس القناطير المقنطرة ولو كانت ألف ألف قنطار من سمن أو زيت أو شيرج بمثل رأس الإبرة من البول و الدم والشعرة الواحدة من الكلب والخنزير عند من ينجس شعرهما وأصحاب الظواهر والألفاظ عندهم لو وقع الكلب والخنزير بكماله أو أي ميتة كانت في أي ذائب كان من زيت أو شيرج أو خل أو دبس أو ودك غير السمن ألقيت الميتة فقط وكان ذلك المائع حلالا طاهرا كله فإن وقع ما عدا الفأرة في السمن من كلب أو وخنزير أو أي نجاسة كانت فهو طاهر حلال ما لم يتغير
ومن ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين يعني في الإحرام فسوى بين يديها ووجها في النهي عما صنع على قدر العضو ولم يمنعها من تغطية وجهها ولا أمرها بكشفه البتة ونساؤه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعلم الأمة بهذه المسألة وقد كن يسدلن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن وروى وكيع عن شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت سألت عائشة ما تلبس المحرمة فقالت لا تنتقب ولا تتلثم وتسدل الثوب على وجهها فجاوزت طائفة ذلك ومنعتها من تغطية وجهها جملة قالوا وإذا سدلت على وجهها فلا تدع الثوب يمس وجهها فإن مسه افتدت ولا دليل على هذا البتة وقياس قول هؤلاء إنها إذا غطت يدها افتدت فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سوى بينهما في النهي وجعلهما كبدن المحرم فنهى عن لبس القميص والنقاب والقفازين هذا للبدن وهذا للوجه وهذا لليدين ولا يحرم ستر البدن فكيف يحرم ستر الوجه في حق المرأة مع أمر الله لها أن تدني عليها من جلبابها لئلا تعرف ويفتتن بصورتها ولولا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في المحرم ولا يخمر رأسه لجاز تغطيته بغير العمامة
وقد روى الإمام أحمد عن خمسة من الصحابة عثمان وابن عباس وعبد الله ابن الزبير وزيد بن ثابت وجابر أنهم كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون فإذا كان هذا في حق الرجل وقد أمر بكشف رأسه فالمرأة بطريق الأولى والأحرى
وقصرت طائفة أخرى فلم تمنع المحرمة من البرقع ولا اللثام قالوا إلا أن يدخلا في اسم النقاب فتمنع منه وعذر هؤلاء أن المرجع إلى ما نهى عنه النبي ص = ودخل في لفظ المنهي عنه فقط والصواب النهي عما عما دخل في عموم لفظه وعموم معناه وعلته فإن البرقع واللثام وإن لم يسميا نقابا فلا فرق بينهما وبينه بل إذا نهيت عن النقاب فالبرقع واللثام أولى ولذلك منعتها أم المؤمنين من اللثام
انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام:
واعلم أن المصنف لم يأت بالحديث فيما يحرم على المرأة المحرمة والذي يحرم عليها في الأحاديث الانتقاب أي لبس النقاب كما يحرم لبس الرجل القميص والخفين فيحرم عليها النقاب ومثله البرقع وهو الذي فصل على قدر ستر الوجه لأنه الذي ورد به النص كما ورد بالنهي عن القميص للرجل مع جواز ستر الرجل لبدنه بغيره اتفاقا فكذلك المرأة المحرمة تستر وجهها بغير ما ذكر كالخمار والثوب ومن قال إن وجهها كرأس الرجل المحرم لا يغطى شيء فلا دليل معه
ـ[أبو معاذ الحسن]ــــــــ[12 - 12 - 07, 02:26 م]ـ
الأخ مشتاق:
الاجماع في هذه المسألة دونه خرط القتاد
عائشة و أسماء ابنتا الصديق رضي الله عنهم من الصحابة
و ابن حزم وابن القيم والصنعاني
ثم الشيخ العلوان من المعاصرين
عن معاذة العدوية قالت: سألت عائشة رضي الله عنها: ما تلبس المحرمة؟
فقالت: لا تنتقب , و لا تتلثم, وتسدل الثوب على وجهها. رواه البيهقي و اسناده صحيح.
روى الحاكم وصححه عن فاطمة بنت المنذر قالت: (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق)
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى 5/ 63:
¥