تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مسوائ ربط العلم بسياسة الحكام]

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[19 - 12 - 07, 09:21 م]ـ

قال الإمام مالك رحمه الله لأبي جعفر المنصور حين اقترح عليه تعميم مُوطئه , وإلزام رعيته به , مع أن غالب ما في الموطأ نصوص مرفوعة , أو موقوفة , أو آثار , أو كلام لمالك نفسه , قال:" يا أمير المؤمنين لا تفعل , فإنّ الناس سبقت لهم أقاويل , وسمعوا أحاديث وروايات , وأخذ كل قوم بما سبق إليهم , وعملوا به , ودلّوا به , من اختلاف أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وغيرهم ,وإن ردهم عما اعتقدوا لشديد , فدع الناس وما اختار أهل كل بلد لانفسهم ". (ترتيب المدارك , للقاضي عياض)

وفي رواية أنه قال:" ماينبغي لك يا أمير المؤمنين أن تحمل الناس على أقوال رجل يخطئ ويصيب , وإنّما الحق مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقد تفرقت أصحابه في البلدان, وقلّد أهل كل بلد من صار إليهم ,,, " (مناقب مالك , للشيخ عيسى بن مسعود الزواوي).

إنّ موقف الإمام مالك رحمه الله من فرض مذهبه على الناس , لم يأخذ به بعض أتباعه , وهكذا أتباع غيره من الأئمة: فقد فرضوا مذهبهم على غيرهم , كما فعل غيرهم , فمن كانت السلطة معه تقوى بها , حتى إذا آلت إلى غيره عامله بالمثل , وتكرّر هذا مراراً , ونشأ عن ذلك استغلال الحكام للعلماء لتثبيت حكمهم , وهو أمر يؤدي إلى اهتزاز ثقة الناس بالعالم , وقد كان المالكية من أكثر العلماء بُعداً عن السلاطين الظلمة , وأكثرهم مناوأة لأهل البدع والضّلال , والنافع للعالم وللحاكم وللأمة أن يستقل العالم عن الحاكم , وأن يتعاونا على البر والتقوى , وأن لا يربط العلم بشيئ من هذا , وإليك إشارات ما حصل للمالكية مع دول الأغالبة , والعبيديين , والخوارج , والصنهاجيين , فإنّ الأيام يداولها الله بين النّاس:

قال القاضي عياض:" وأمّا أفريقية وما وراءها من المغرب , فقد كان الغالب عليها في القديم مذهب الكوفيين , إلى أن دخل علي بن زياد وابن أشرس والبهلول بن راشد , وبعدهم أسد بن فرات وغيرهم بمذهب مالك , فأخذ به كثير من الناس , ولم يزل يفشو إلى أن جاء سحنون , فغلب في أيامه وفضّ حِلق المخالفين , واستقر المذهب بعده في اصحابه فشاع في تلك الأقطار إلى وقتنا هذا ".

قلت لكن الامر قد تغير صعوداً ونزولاً مراراً:

- ففي المدينة التي هي موطن مالك استمر مذهبه بها إلى مابعد القرن الخامس ثم غلب عليها الرفض والتشيع مدّة.

- وفي دولة الأغالبة التي كان يسود وقتها المذهب الحنفي , وأمام تمكن المالكية من نفوس الناس , وشعور الأغالبة بالخطر , جاء أمر هارون الرشيد بتولية بعض المالكية منصب القضاء , فتولاه عبد الله بن غانم أحد تلاميذ مالك , وقد كان القضاء في الغالب للأحناف في الخلافة العباسية , لكن الأمور تغيرت حين ظهرت فتنة القول بخلق القرآن , التي أوذي بسببها بعض العلماء المالكية.

- ويمكن اعتبار ماقام به أسد بن الفرات من محاولته المزج بين الفقه المالكي والحنفي في الأسدية كما يقول بعض الباحثين , يمكن اعتبار ذلك سعياً في التخفيف من تشدّد الناس في الميل إلى المذهب المالكي , إبّان حكم بني الأغلب , ومعلوم أنّ سحنوناً كان قد أخذ عنه الأسدية , ثم تركه والتقى بابن القاسم فأخذ عنه المدونة رأساً , وصحّح بعض أقوال ابن القاسم التي كان أسد قد دونها , وحصلت جفوة بين ابن القاسم وبين أسد بن الفرات , وبينه وبين سحنون لاسباب لا حاجة لذكرها (انظر المدارك للقاضي عياض)

- ومن العجب أن يتقاعس بعض فقهاء المالكية من مناصرة بني الاغلب بسبب ما نالهم من الأذى في عهدهم , فجرّهم ذلك إلى المساعدة بوجه ما على إقامة حكم العبيديين وهم يعتبرونهم كفّاراً , وقد انتشر مع هذه الدولة مذهب الكوفيين لموافقتهم إيّاهم في مسألة التفضيل , فكان فيهم القضاة والرئاسة , وأخرجوا أضغانهم على المدنيين , فجرت على المالكية في تلك المدة محن ,, ",

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير