تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهكذا نجد تربية النبي r لصحابته t على الاتباع قد آتت أكلها في الحج وغيره، فنجد عليًّا t يهل بما أهلّ به رسول الله r بينما زوجه فاطمة t تحل من إحرامها، يحكي لنا جابر t هذا الموقف فيقول - كما في صحيح مسلم -: فَقَالَ r « لَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً». فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ r أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِى الأُخْرَى وَقَالَ «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِى الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لاَ بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ». وَقَدِمَ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِىِّ r فَوَجَدَ فَاطِمَةَ t مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِى أَمَرَنِى بِهَذَا. قَالَ: فَكَانَ عَلِىٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِى صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ r فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّى أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ «صَدَقَتْ صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ». قَالَ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّى أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ «فَإِنَّ مَعِىَ الْهَدْىَ فَلاَ تَحِلُّ».

إن الرسول الخاتم r رغَّب الحجيج واسترعى انتباههم وجذب اهتمامهم إلى أهمية تَتَبُّعِ سَنَنِهِ وهديه وهو يمضي بهم في رحلة الحج المباركة بقوله: «فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذا» رواه مسلم، ومن هنا سميت بحجة الوداع. فقولته r « لتأخذوا عني مناسككم» وصية مودع، ووصايا الراحلين عن دار الفناء عادةً ما تهتبلها النفوس، وتشرئبُّ إليها الأعناق، وتعيها العقول، وتعض عليها النواجذ.

فالنبي r أكد عليهم اتباع هديه في الحج حتى يكون الحج على مراد الله وإرث أبينا إبراهيم u لا على مراد أهل الجاهلية وأهل الأهواء الذين حرفوا وشوهوا في الحنيفية ما شاء لهم أن يفعلوا، قال يزيد بن شيبان: كنا وقوفاً بعرفة مكاناً بعيداً من الموقف فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال: إني رسول رسول الله r إليكم يقول: «كونوا على مشاعركم فإنكم على إرثٍ من إرث أبيكم إبراهيم عليه السلام» رواه النسائي وصححه الألباني.

ومما يدلك - أخي المسلم - على أن الأصل في الحج اتباع سنة الخليل محمد r أنه عليه الصلاة والسلام بعد أن كان يأمرهم بـ ” خذوا عني مناسككم“ في مواطن متعددة من شعائر الحج كان يرخص لهم ما يكون لهم فيه مندوحةٌ بحسب ما رآه من حال الناس، فلما خشي أن يبتدر الحجيج ويتدافعوا إلى مكان منحره ووقوفه بعرفة ومزدلفة قال فيما يرويه جابر t عنه: «قد نحرتُ ها هنا ومنى كلها منحر، ووقفَ بعرفة، فقال: قد وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت ها هنا ومزدلفة كلها موقف» رواه أبو داود وصححه الألباني.

وفي يوم النحر يوم الحج الأكبر قال جابر t : رأيت النبي r يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: «لتأخذوا مناسككم» رواه مسلم، فكانت أعماله فيه على الترتيب: رميٌ فنحرٌ فحلقٌ فطوافٌ. هذا ما كان يريده المصطفى r من الحاج يوم النحر، فلما خالف بعضُ مَنْ حَجَّ معه هدْيَهُ r في الترتيب بغير عمدٍ منهم (بغير شعور ولا حسبان) كما جاء في الرواية حينئذٍ عذرهم النبي r ورفع عنهم الحرج، فقال: «افعل ولا حرج». والرواية من حديث عبد الله بن عمرو t في الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r وَقَفَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ «اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ»، فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ، قَالَ «ارْمِ وَلاَ حَرَجَ». فَمَا سُئِلَ النَّبِىُّ r عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ. وفي لفظ آخر في الصحيحين أيضاً: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير