وهو ما رواه أبو داود والترمذي وحسنه , وهذا لفظه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد , وعن بيع و الاشتراء
فيه , وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة " , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: قال ابن القاسم في (المدونة 1/ 138):" رايت مالكاً والإمام يوم الجمعة على
المنبر قاعد , ومالك متحلق في أصحابه قبل أن يأتي الإمام , وبعدما جاء يتحدث ولا يقطع
حديثه ولا يصرف وجهه إلى الإمام , ويقبل هو وأصحابه على حديثهم كما هم حتى سكت
المؤذن وقام الإمام للخطبة تحول هو وجميع أصحابه إلى الإمام فاستقبلوه بوجوههم " ,
الذي يظهر أن الإمام لم يبلغه الحديث , ومقامه من الإتّباع معروف , والله أعلم , وانظر
عارضة الأحوذيلابن العربي مع سنن الترمذي.
ومما يستغرب قول أبي بكر الخطيب رحمه الله وهو يوجه معنى الحديث المتقدم (الفقيه والمتفقه) قال:"
هذا الحديث محمول على أن تكون الحلقة بقرب الإمام , بحيث يشغل الكلام فيها عن استماع
الخطبة , فأمّا إذا كان المسجد واسعاً والحلقة بعيدة عن الإمام بحيث لا يدركها صوته , فلا بأس
بذلك وقد رأيت شيوخنا من الفقهاء والمحدثين يفعلونه , وجاء مثله عن عدّة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ",
ثم روى بسنده عن معاوية بن قرة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم من مزينة , ليس فيهم إلاّ من طَعن أو طعن , أو ضرب أو ضرب مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة اغتسلوا , ولبسوا من صالح ثيابهم , وشمّوا من طيب نسائهم ,
ثم أتوا الجمعة وصلوا ركعتين , ثم جلسوا يبثون العلم والسنة حتى يخرج الإمام " , فانظر
سنده أمّا متنه ففيه نكارة.
والذي يقرا كلام الخطيب هذا لا يكاد يصدق أن هذا الكلام في فهم الحديث له , إذ يؤخذ منه أن
البعيد عن الإمام في المسجد يوم الجمعة له أن يشتغل عن الخطبة بمدارسة العلم وبالحديث ,
ومن جاءته السنة فلا حجة تقوم لها إلاّ أن تعارض لا يمكن الجمع , أو يقع الإجماع على
خلافها , ولا شيئ من ذلك هنا , فترك هذا الدرس هو الحق , وقد يسكت عنه إذا فعل لحاجة
عارضة , أو يرغم عليه الإمام إرغاماً كما هو الحاصل , أمّا جمعية العلماء المسلمين
الجزائريين فقد اصطنعته في زمن كان المحتل يمارس التضييق على الدعاة , فاغتنمت مناسبة
الجمعة للتعليم والتوجيه , ولا حاجة لذلك الآن , ولتعقد حلقات الدرس في الأوقات الأخرى ,
وفي طلعة البدر ما يغنيك عن زحل , وقد قيل:
فمالك والتّلدد نحو نجد ... وقد ضاقت تهامة بالرّجال!! ?