تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعترض شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على أدلة أصحاب هذا القول فقال: (وليس في المسألة قول متوجه إلا هذا القول أو الذي قبله () فأما تعليق النقض بمجرد اللمس، فهذا خلاف الأصول وخلاف إجماع الصحابة، وخلاف الآثار، وليس مع قائله نص، ولا قياس؛ فإن كان اللمس في قوله تعالى "أو لامستم النساء" أريد به اللمس باليد، والقبلة، ونحو ذلك، كما قاله ابن عمر وغيره؛ فقد علم أنه حيث ذكر مثل ذلك في الكتاب والسنة؛ فإنما يراد به ما كان لشهوة، مثل قوله في آية الاعتكاف "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه؛ بخلاف المباشرة لشهوة، وكذلك المحرم الذي هو أشد لو باشر المرأة لغير شهوة لم يحرم عليه، ولم يجب عليه به دم، وكذلك قوله "ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن" وقوله "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن" فإنه لو مسها مسيسا خاليا من غير شهوة لم تجب به عدة، ولا يستقر به مهر، ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء ... ). ()

قلت: أما قوله رحمه الله تعالى بأن تعليق النقض باللمس خلاف إجماع الصحابة؛ فغير مسلم، وسيأتي قول ابن عمر، وابن مسعود، وغيرهما. والله تعالى أعلم.

الدليل الثاني: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل؛ فقال يا رسول الله ما تقول في رجل لقي امرأة يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها، غير أنه لم يجامعها؟، قال: فأنزل الله هذه الآية "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل" () فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ، ثم صل. ()

قالوا: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم السائل بالوضوء من هذا اللمس.

واعترض الاستدلال بهذا الحديث من أوجه:

الوجه الأول: أنه لم يثبت أنه كان متوضأ قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء، ولا ثبت أنه كان متوضأ عند اللمس فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد انتفض وضوءه.

الوجه الثاني: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالوضوء يحتمل أنه لأجل المعصية، وقد ورد أن الوضوء من مكفرات الذنوب، فيكون إرشادا للطريقة التي يكفر الله عنه بها ذلك الذنب الذي اقترفه.

الوجه الثالث: أن الحالة التي وصف السائل لا شك أنها مظنة خروج المذي؛ فيكون إرشاده للوضوء بسبب المذي، وليس لمطلق اللمس.

الوجه الرابع: أن أمره بالوضوء هو طلب لشرط الصلاة المذكورة في قوله تعالى في الآية: "وأقم الصلاة" من غير نظر إلى انتقاض الوضوء وعدمه. ()

قلت: قد ذكر العلامة الشوكاني هذه الاعتراضات، وهي كلها متجهة وواضحة؛ فلا شك أن مجموعها يضعف الاستدلال بهذا الحديث جدا. والله تعالى أعلم.

الدليل الثالث: قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: قبلة الرجل امرأته، وجسها بيده من الملامسة؛ فمن قبل امرأته، أو جسها بيده؛ فعليه الوضوء. ()

ورواه البيهقي عن ابن مسعود بلفظ: القبلة من اللمس، وفيها الوضوء، واللمس ما دون الجماع. ()

واعترض استدلالهم بهذين الحديثين بأن قول الصحابي ليس بحجة في الشرع، وخاصة إذا

عارضه غيره، وقد صرح البحر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بأن اللمس المذكور في الآية هو الجماع. ()

الدليل الرابع: استدل البيهقي بحديث أبي هريرة: "اليد زناها اللمس". ()

الدليل الخامس: وفي قصة ماعز لعلك قبلت أو لمست. ()

واعترض هذان الدليلان بأنه لا أحد ينكر صحة إطلاق اللمس على الجس باليد؛ بل هو المعنى الحقيقي، ولكن المخالفين يقولون إن المقام محفوف بقرائن توجب المصير إلى المجاز. ()

الدليل السادس: أن مس النساء في الجملة مظنة خروج الخارج، وأسباب الطهارة مما نيط الحكم فيها بالمظان؛ بدليل الإيلاج، والنوم، ومس الذكر. ()

قلت: ويعترض عليه من وجهين:

الوجه الأول: أن هذه الظنون المذكورة لم يتفق عليها العلماء؛ فلا تعارض الأصل الثابت، وقد قال تعالى: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا).

الوجه الثاني: أن مظنة خروج الخارج لا شك أنها تقوى أحيانا حتى تقرب من اليقين جدا، كما هي في الإيلاج مثلا، وتضعف أحيانا حتى تقارب الوهم، كما هي في مطلق الملامسة؛ فلا يصح جعلها علة للنقض. والله تعالى أعلم.

هذا والله تعالى أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير