- ومنها (أي أدلة القول الثاني): أنه قد ورد عن عمر وابنه وابن مسعود وابن عباس -رضي الله عنهم- القولُ بعدم ثبوت التحريم برضاعه، ووجه الاستدلال من هذه الآثار: أن القاعدة في الأصول: [أن قول الصحابي حجة في إثبات الأحكام].
(ونوقش): بأن هذا قول صحابي، والقاعدة في الأصول -على الصحيح-: [أن قول الصحابي ليس بحجة في إثبات الأحكام].
ووجه آخر في النقاش: أن قول الصحابي هنا قد عارضه قول صحابي آخر -على ما سبق في أدلة أصحاب القول الأول-ثاني، والقاعدة في الأصول: [أن قول الصحابي إذا عارضه قول صحابي آخر سقط الاحتجاج به].
القول الثالث: ثبوت التحريم برضاعه في حال الحاجة فقط، وبهذا قال ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله تعالى-، ودليلهما على ذلك:
- الجمع بين أدلة القولين السابقين، ووجه ذلك: أن الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الثاني أدلة عامة، وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة سالم مولى أبي حذيفة دليل خاص، والقاعدة في الأصول: [أنه إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص] فَيُخَصُّ عمومُ تلك الأدلة بصورة الحاجة الكائنة في قصة سالم رضي الله عنه.
(ونوقش): بما سبق من جهة أن الحاجة قدر زائد على ما ورد في الخبر، ومناط إثباتها القياسُ، وهو غير منصوص على علته، والقاعدة في الأصول: [أن القياس غير المنصوص على علته ليس بحجة في إثبات الأحكام] وهو أيضا معارِض لعموم حديث عائشة رضي الله عنها: «إنما الرضاعة من المجاعة»، والقاعدة في الأصول –على الصحيح-: [أن العموم مقدم على القياس غير المنصوص على علته عند التعارض].
الترجيح:
الراجح في هذه المسألة: عدمُ ثبوت المحرمية برضاع الكبير إلا في صورة التبني، لما تقدم تقريره. والله أعلم.
وأما الفقرة الثانية من السؤال: فالجواب عنها متوقف على معرفة المراد بالشذوذ والاعتبار، فالشاذ -عند العلماء في الأصول-: هو القولُ الحادِثُ بعد الإجماع، والقائل به كافر، أو فاسق على أحد القولين، لقوله تعالى: ?ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا?.
وأما الاعتبار فإنه يطلق ويراد به الصحةُ، وقد تَجَوَّزَ البَعْضُ في إطلاقه على ما يقابل الشاذَّ، والأَوْلى أن يُعَبَّر عنه بغير الشاذ، والقول بثبوت المحرمية برضاع الكبير مطلقا ليس بقول شاذ، لأنه ليس مخالفا للإجماع، بل قال به بعض الصحابة، ولا يلزم من هذا التقرير تسويغُ الخلاف مطلقًا، والأخذُ بأحد الأقوال على سبيل التشهي والاختيار، فالقاعدة في الأصول: [أن الخلاف ليس دليلا على الجواز] ومأخذ هذه القاعدة أن الخلاف حادثٌ بعد الشريعة، ولم يرد على اعتباره دليلٌ، ومن المعلوم أن الحقَّ في مسائل الخلاف واحدٌ، قال الله تعالى: ?فماذا بعد الحق إلا الضلال? وجاء في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص –رضي الله عنه- مرفوعا: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد» فالمخالف في هذه المسألة إن كان كامل الآلة في الاجتهاد واستفرغ وُسْعَهُ في دَرْكِ الحكم الشرعي فهو مخطئٌ مأجورٌ، ولا يلزم من ذلك عدمُ الإنكار عليه بالقول، وبيان مخالفته، لإطلاق النصوص الشرعية الواردة في الإنكار، كحديث أبي سعيد –رضي الله عنه- عند مسلم في الصحيح مرفوعا: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ... » الحديث. وإن كان غير كامل الآلة في الاجتهاد أو لم يستفرغ وسعه في درك الحكم الشرعي فهو مخطئ آثم مقصر، متجرئ على الشريعة، يجب الإنكار عليه، وبيان مخالفته، وحثُّه على التوبة.
والله تعالى أعلم.
أملاه: جلال بن علي بن حمدان السلمي، ظهر السبت، الثاني والعشرين من جمادى الآخر، لسنة إحدى وثلاثين وأربع مئة وألف من الهجرة، بالمدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[05 - 06 - 10, 07:00 م]ـ
جزاك الله خير أخي، ولله درك على هذا النقل والتفصيل القيم جدا، نفع الله بكم ..
ـ[أبوعبدالله السلفي]ــــــــ[11 - 06 - 10, 03:26 م]ـ
مؤيدا فتوى العبيكان ومنكرا طريقة الطرح .. د. السدلان لـ “عكاظ”:
فتوى إرضاع الكبير صحيحة بضوابط ولا دليل على منكري خصوصيتها
¥