قال الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّمي رحمه الله في التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل (2/ 259): "الغالب أن تكون على خلاف الظاهر حتى في رُؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قُصَّ من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة، ولهذه الأُمور اتفق أهل العلم على أن الرُؤيا لا تصلُح للحُجَّة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلُح للاستئناس بها إذا وافقت حُجًّة شرعية صحيحة كما ثبُتَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول بمُتعة الحج لثبوتها عنده بالكتاب والسُنَّة، فرأى بعض أصحابه رُؤيا توافق ذلك، فاستبشر ابن عباس".
كتبه: فضيلة الشيخ محمد إسماعيل المُقَدِّم
من كتاب: أُصُول بِلا أُصُول
ـ[أبو يحيى المكناسي]ــــــــ[30 - 06 - 10, 06:05 م]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم
لا شك أن الاعتماد على الرؤى والمنامات في إثبات الأحكام الشرعية مذهب باطل، فقد ابتلي كثير من الناس بهذا الخبال، الذي لا أساس له لا من صحيح نقل ولا يقبله عقل، اللهم الانجراف نحو هوى النفس وتلبيس إبليس من خلال زعم بعض الناس ممن أسرفوا في التصوف.
مما جعلهم يعتبرونها سبيلا لحصول المكاشفات، وبالتالي تعتبر أصلا من أصول التشريع، فأصبحت وسيلة للتدين عند كثير منه.
قال الإمام الشاطبي: (وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون رأينا فلانا الرجل الصالح فقال لنا اتركوا كذا واعملوا كذا ويتفق مثل هذا كثيرا للمتمرسين برسم التصوف وربما قال بعضهم رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال لي كذا وأمرني بكذا فيعمل بها ويترك بها معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة وهو خطأ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا) (الإعتصام"
لكن الخطير أن يحصل ذلك من علماء كبار قديما وحديثا هذا هو الذي يحز في النفس ويبعث على القلق. صحيح أن {الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة} البخاري ومسلم، يثبت بها ما يثبت بالوحي أمرا ونهيا كما أفاده الحديث، لكن هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالرؤيا الحق هي أو ما بُدأ به صلى الله عليه وسلم من الوحي فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: {أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم} البخاري.
أما بعد زمن النبوة فلا فقد تكون هذه صحيحة، وقد تكون من الشيطان، لذلك قال أهل العلم أن حل المرء مع الرؤيا على ثلاثة أقسام:
الأول: رؤياً هي حديث نفس، وأضغاث أحلام، لا أصل لها.
الثاني: من الشيطان، جاءه فقال له في الرؤيا: اعمل كذا، أو اطلب كذا، أو اذهب إلى كذا، وهي رؤيا شيطانية، خصوصاً إذا كان الإنسان نام على غير ورد؛ لم يقرأ آية الكرسي عند النوم، ولم يقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين عند النوم، فإنه يتسلط عليه الشيطان من أجل أن يضله، أو من أجل أن يكدّر عليه نومه، ويزعجه، لأنه يأتيه بمزعجات، يرى أشياء يكرهها.
القسم الثالث: هي الرؤيا الصحيحة، وهي التي تجري على يد المَلَك، هذه الرؤيا الصحيحة وليس فيها تضليل، وإنما فيها خير، وهي جزء من النبوّة- كما في الحديث-، وهي من المبشرات، لكن هذه لا تحصل إلاّ لأهل الإيمان في الغالب، وقد تحصل الرؤيا للكفار لحكمة يريدها الله سبحانه وتعالى، كما حصلت للملك في قصة يوسف عليه السلام، والملك كان كافراً، هذه رؤيا صحيحة جرت لكافر لأمر أراد الله، وهو: الإرهاص ليوسف عليه السلام من أجل أن يكرمه الله بتأويل هذه الرؤيا، ويتبيّن عمله وفضله، ثمّ يُخرج من السجن، ثمّ يصل إلى درجة المُلك.
الحاصل؛ أن الرؤيا، لا يُعتمد عليها في العبادات لأن العبادات ولاسيّما التّوحيد- لا يُبنى إلاَّ على دليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو إجماع المسلمين، أما المنامات والرؤى والحكايات هذه كلها لا تُبنى عليها الأحكام الشرعية.
¥