تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كثيراً نقض وإلا فلا، فالذي أفتى وقال: ينقض، أين الحجة في حكمه والمسألة فيها اختلاف؟ والله عز وجل يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ولذلك فلا يجوز للمسلم المتمذهب بمذهب واحد إذا استفتي في مسألة أن يفتي على مذهبه؛ لأن هناك مذاهب أخرى، فهذا يجب أن يمسك عن الفتوى، فإن أفتى فهو آثم بدليل هذا الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (ومن أفتى بفتيا بغير ثبتٍ -أي: بغير سندٍ وحجةٍ- فإثمه على من أفتاه) فالذي يقول: خروج الدم ناقض للوضوء، أو غير ناقض، أو ينقض إن كان كثيراً، ولا ينقض إن كان قليلاً، أي جوابٍ كان؛ إذا كان لم يستند صاحبه على سند من الكتاب أو من السنة؛ فإثمه عليه وليس على المستفتي، لماذا؟ لأن المستفتي أدى واجبه الذي أمره به ربه: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] جاء هذا الذي لا يعلم إلى من يظن أنه من أهل الذكر، فسأله فأفتاه، فإثمه على هذا المفتي، فهذا المفتي.

عليه أن يراقب الله عز وجل حينما يسأل، وألا يفتي إلا عن ثبتٍ وحجة وسند، فإن لم يفعل فهو آثم، وقد نبه لهذه الحقيقة الإمام أبو حنيفة رحمه الله حين قال: لا يحل لرجلٍ أن يفتي بقولي ما لم يعلم من أين أخذت دليلي.

هذا نص عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، أول الأئمة الأربعة يفسر لنا هذا الحديث، الذي يقول: (من أفتى فتيا بغير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه وليس على المستفتي) فيقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله: لا يحل لرجل أن يفتي بكلامي ما لم يعلم من أين أخذت دليلي.

فهذا الحنفي الذي سئل: الدم إذا خرج أينقض الوضوء؟ فأجاب: نعم.

لا يجوز له هذا بحكم هذا الحديث، وبحكم قول الإمام السابق؛ لأنه لم يعرف دليله، ومعنى هذا أو حصيلة هذا الحديث هو: وجوب دراسة الكتاب والسنة؛ لكي يتمكن المفتي من أن يفتي بالدليل من الكتاب والسنة، فلا يلحقه إثمٌ، حتى ينجو في حال لو أخطأ في الفتوى؛ لأنه ليس معنى من أفتى معتمداً على الكتاب والسنة أنه معصوم من الخطأ، لا.

ولكن إذا اجتهد فأفتى بما فهم من الكتاب والسنة فله حالتان: إما أن يكون أصاب فله أجران، وإما أن يكون أخطأ فله أجرٌ واحد، لكن هذا إنما هو -أي الأجران إذا أصاب، والأجر الواحد إذا أخطأ- إنما هو للذي يفتي اعتماداً على الكتاب والسنة، أما الذي يقلد -والتقليد جهلٌ باتفاق العلماء- ولا يتبصر في الفتوى، فهذا ليس له أجر، ولا حتى أجر واحد، بل عليه وزر؛ لأنه أفتى بغير ثبتٍ، وبغير بينة وحجة، فحصيلة هذا الحديث هو: وجوب رجوع العالم في كل ما يفتي به إلى الكتاب والسنة.) أنتهى

2 - وإن قال له: قال فلان كذا وهو جوابي

وكان المجتهد الأول مخطئاً فعلى من يقع إثم هذا السائل، ثم من أين تبين لهذا المجيب أن قول هذا العالم هو الحق (ألا يقولوا على الله إلا الحق) وهي مسألة من مسائل النزاع ثم هو بعد قاصر عن الترجيح والتحرير. ولم يسقط النبي - صلى الله عليه وسلم - الاجتهاد عن الحاكم في الحالين حال الإصابة وحال الخطأ ورتب الأجر وسقوط الوزر عليه لكونه عالماً أفرغ وسعه في طلب الحق فقد كلفنا الله بطلب الحق وإفراغ الوسع في ذلك ولم يكلفنا إصابته

وهل يختلف الحكم في ذلك من قوله (جوابك كذا) عن قوله (قال فلان: كذا وهو جواب)

ففي الحالتين أجاب وفي الحالتين ترتب على الجواب عمل وفي الحالتين تكلم بلا علم ولا تثبت.

ثم إن أرتقت بهذا الطالب الحال فعرف الخلاف بين العلماء وهو قاصر عن الترجيح فعرف الخلاف بين العلماء في المسائل فإن جاء سائل يسأله فقال: ما حكم كذا؟ وهو يعرف فيها قولين - ولا شك أحدهما صواب والآخر خطأ بخلاف التنوع -وهو هنا أعلم منه بداية فإن أجاب بأحد القولين وتبنى أحدهما يكون صدر عن غير تثبت كذلك وإن قال قال فلان كذا وقال فلان كذا طلب منه السائل الترجيح وإن قال لا أدري بأي القولين بأخذ السائل إما الأحوط أو ما يوافق هواه.

فحاله هنا أعلم فإن منعناه من القول لأنه تردد بين حق وباطل فيلزمه السكوت كنا اجزنا له بداية وهو أجهل أن يجيب فما علم علما إضافيا منعناه وهذا من العجب!

قال الإمام الشوكاني -رحمه الله -:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير