فعلى القول الأول أنه حق هو أصاب - في معرفته الحق- لكنه لا يعرف أنه أصاب حقاً أم باطلاً وإن كان في ظنه أنه هو المحق وقول إمامه هو الصواب وهذه حجة واهية من حيث تصحيح الأقوال بمجرد نسبتها لا بدلائلها وقد قال الشيخ الألباني فالحق يعرف بنوره ودلائله لا بحاكيه وقائله، وفرضه الثاني أنه علمه بدليل من الكتاب أو السنة وحجته هنا أقوى من سابقتها على إثبات الصواب لديه وهي أيضاً لا تسلم لأن ليس كل من حاز الدليل حاز الصواب
فإن رأى هذ الفتى قولاً غير قوله ومذهبا غير مذهبه سارع إلى دفع ذلك ورميه بالباطل
وهو مع ذلك قد يكون مصيبا أو مخطئا
وغايته أنه مقلدا لهذا القول
قال شيخ الإسلام:
فَمَنْ صَارَ إلَى قَوْلٍ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ صَارَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ , لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا ظَهَرَتْ. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلًا عَلَى قَوْلٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ , وَلَا يَتَعَصَّبُ لِقَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ وَلَا لِقَائِلٍ عَلَى قَائِلٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ , بَلْ مَنْ كَانَ مُقَلِّدًا لَزِمَ حِلُّ التَّقْلِيدِ , فَلَمْ يُرَجِّحْ وَلَمْ يُزَيِّفْ وَلَمْ يُصَوِّبْ وَلَمْ يُخَطِّئْ , وَمَنْ
كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ مَا يَقُولُهُ سُمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ , فَقُبِلَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَقٌّ , وَرُدَّ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاطِلٌ , وَوُقِفَ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ , وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَاوَتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي قُوَى الْأَذْهَانِ , كَمَا فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي قُوَى الْأَبْدَانِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَحْوُهَا فِيهَا مِنْ أَغْوَارِ الْفِقْهِ وَحَقَائِقِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ وَمَآخِذَهُمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا قَوْلَ عَالِمٍ وَاحِدٍ وَحُجَّتَهُ دُونَ قَوْلِ الْعَالِمِ الْآخَرِ وَحُجَّتِهِ , فَإِنَّهُ مِنْ الْعَوَامّ الْمُقَلِّدِينَ لَا مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُرَجِّحُونَ وَيُزَيِّفُونَ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَهْدِينَا وَإِخْوَانَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.) انتهى
فإن جاء سائل يسأل هذا الطالب وهو بعد لا يعرف إلا قولاً واحداً كما تقدم فأجابه
1 - قال حكم مسألتك كذا: وانصرف السائل وعمل بهذا القول وكان قد أفتاه بإثم فعلى من يقع الإثم إذا؟ عندنا في ذلك حديث صحه الشيخ الألباني - رحمه الله - (من أفتى فتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه) وهو للأمانة ضعفه بعض أهل العلم.
قال الشيخ الألباني:
(حكم الفتيا بقول أحد العلماء في المسائل الخلافية
يا ترى من استفتيَ في مسألة أو في قضية فأفتى برأي عالمٍ -أي عالمٍ كان- وهو يعلم أن المسألة فيها قولان فأكثر، فهل أفتى بثبتٍ أي: بحجةٍ وبينة؟
الجواب
لا.
لأنه حينما تكون المسألة من المسائل الخلافية، وقد صدر للعلماء فيها قولان فأكثر، فهو أفتى بقولٍ من القولين دون أن يدعم فتواه -ولو في نفسه على الأقل- بآية من كتاب الله، أو بحديثٍ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يكون قد أفتى عن ثبتٍ، وعن حجةٍ، وعن بينة؛ فيكون فتواه بهذا الخطأ لا يتعلق الإثم على المستفتي، وإنما على المفتي، فإثمه عليه.
إذاً: على كل متفتٍ أن يتثبت في فتواه، أي: أن يستند في فتواه إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومعنى هذا الكلام العلمي بعبارة واضحة بينة: أن المستفتى -أي العالم- إذا استفتيَ في مسألة ما، ولنضرب على ذلك مثلاً: رجل سأله: خروج الدم أينقض الوضوء؟ فقال: نعم، وهو يعني أن المذهب الحنفي هكذا يفتي، فإذا نحن رجعنا إلى هذا الحديث نفهم أن هذا الجواب إثمه عليه وليس على المستفتي، لماذا؟ لأن هناك قولين آخرين في هذه المسألة، فالمذهب الحنفي يحكم ببطلان الوضوء بمجرد خروج الدم عن مكانه، أما المذهب الشافعي فيقول: لا ينقض الدم الوضوء مطلقاً مهما كان الدم كثيراً، بينما مذهب الإمام مالك و أحمد يفصل فيقول: إن كان الدم
¥