وأمّا الأمر المقيّد بزمان،فلا يخلوا أن يكون المأمور به يستغرق الزمان كلّه أولا.
فإن كان يستغرقه وجب الفعل على الفور عند دخول زمنه؛لأنّ المقيّد وقيده متلازمان، وكذلك صوم رمضان.
وإن كان المأمور به لا يستغرق الوقت كالأمر بصلاة الظهر من زوال الشّمس إلى القامة الأولى؛فالمحققون على أنّه يجب فعل المأمور به وجوبا موسّعا؛لأنّ أجزاء الزّمن قابلة للفعل،و الشّرع عيّن المبدأ والغاية،فالأشبه باليسر والرّفق إبقاء الخيرة للمكلّف في إيقاع الصّلاة في أيّ جزء منها،ومع هذا فقد رغّبه في المبادرة.
ولا يلزم العزم على الفعل قبل دخول الوقت في الصّورتين،أمّا بعد دخوله ففي الصّوم لا يكفي العزم،ويتعيّن الفعل لما ذكرنا،وفي الصّلاة يجب العزم إن أحّر الفعل.
وذهب بعض الأصوليين إلى أنّ الوجوب يتعلّق بأحد أمرين: إمّا الفعل أو ضيق الوقت.
وذهب الحنفية إلى أنّ الوجوب متعلّق بآخر الوقت وبنوا على هذا أنّ من صلّى في أوّل الوقت فهو متنفّل،ثمّ إن جاء آخر الوقت،وهو من أهل الوجوب سقط عنه توجه الفرض بذلك النّفل،وهذا تحكّم لا دليل عليه.
مبحث
إذا أمر الشرع بمأمورات متعدّدة مبنيّة على وجود شيء آخر كالكفارة المترتّبة على الحنث أو الظهار أو القتل،ويجمعها الجزاء على الإقتراف،فلا يخلو أن تكون الأوامر واردة بصيغة التخيير ك (أو) أو بالنّص على الترتيب بينها أو لا.
ففي الصّورة الأولى يجب واحد من تلك المأمورات غير معيّن،وتبرأ الذّمة بفعل واحد منهما،فإذا فعل سقط الطّلب.
وقد ورد في القرآن من هذا النّوع كفّارة اليمين المطلق وجزاء الصّيد،فأوجب في الأولى أربعة أشياء وخيّر في ثلاثة منها ورتّب في الرابعة،فالواجب واحد من الثلاثة على سبيل التّخيير للمكلّف، وأيّا فعل سقط عنه الطّلب،ولا ينتقل إلى الرّابعة إلاّ بعد العجز عن الثّلاثة.
وورد من النّوع الثاني في القرآن: كفارة الظّهار والقتل،وأوجب في كلّ واحدة منهما ثلاثة أشياء على التّرتيب،بمعنى أنّ المكلّف لا يجوز له الانتقال عن الواجب الأوّل إلاّ عند العجز عنه.
فتبيّن أنّ الواجب في التّرتيب واحد معيّن،على حسب المأمور عند وجود المقتضي.
مبحث
إن كفّر المخيّر في الثلاثة المخيّر فيها سقط عنه الطلب بالواحد منها، والباقي تطوّع.
وأمّا من فرضه التّرتيب،وكان قادرا على الرتبة الأولى؛ فكفّر بها، ثمّ كفّر بالباقي تطوّع.
مبحث
في إيجاب ما لا يتم المأمور إلاّ به
إذا أمر الشّرع بأمر وتوقّف إتمامه على شيء آخر، فهل يكون المكلّف مأمورا بفعل المتوقّف عليه؟
في المسألة تفصيل:
فإن كان المتوقّف عليه شرطا لازما في ذلك المأمور به كالاستطاعة في الحجّ،والمال في الزكاة ن لم يكن الأمر بالزّكاة والحجّ أمرا بتحصيل الإستطاعة والمال؛ لأنّ الأمر بالحجّ لم يتناول من لا استطاعة له، والأمر بالزّكاة لم يتناول من لا مال له، ويلزم على تكليفه بهما إسقاط الشّرط الشّرعيّ.
وأمّا إذا لم يكن المتوقّف عليه شرطا بتلك الكيفيّة، فلا يخلو أن يكون شرطا منصوصا على وجوب تحصيله بأمر خصوصيّ كالطهارة للصّلاة أو ليس بشرط.
فأمّا الأوّل: فإنّه وإن توقّف عليه المشروط لم يدخل في الأمر بالصّلاة بل،وجب بأمر خارجيّ.
وأمّا الثاني: فيتناوله الأمر بالواجب،ويقال فيه: ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، كغسل شيء من الرّأس؛ لتوقف استيفاء الوجه عليه.
وتنبني عليه فروع كثيرة منها: من نسي صلاة وجهل عينها يجب عليه أن يصلّي خمسا لتدخل المنسيّة فيها.
مبحث
إذا أمرنا باجتناب شيء، وكان اجتنابه يتوقّف على اجتناب شيء آخر لم يتعلّق النّهي به استقلالا.
نظرنا: فإن كان في ترك الجميع مشقّة سقط حكم النّهي، وذلك كاختلاط النّجاسة بالماء الكثير، وكاختلاط ذات محرم بنساء قطر كامل.
وأمّا إذا لم يكن في ترك الجميع مشقّة فهو على ضربين:
- ضرب يختلط فيه المنهيّ عنه بغيره، فيجب ترك الجميع، كالأمة المشركة بين مالكين، وكالأخت مع امرأة أخرى، وكالنّجاسة مع الماء القليل.
- وضرب لا يختلط فيه المنهي بغيره، كالآنية المتنجّسة بين أوان طاهرة , فيجب التّحرّي إن أمكن.
مبحث
¥