تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلتُ: لكن الذي عندي والله أعلم أن هذا حكم جملي لا يلحق بالذي وقع في البدعة في المسائل الاجتهادية وإنما هو مختص بالواقع في البدعة في غيرها فهذا يلحق به الاسم وإن كان يمكن أن يكون متأولاً معذوراً؛ وذلك لبقاء أحكام تناط باسم المبتدع من الهجر والتحذير والتنفير عن المقالة وهذه الأحكام منوطة باسم المبتدع فلابد من إبقاء اسم المبتدع للواقع في البدعة في مسائل النزاع غير السائغ؛ لأن رفع الإثم لا يقتضي رفع الاسم؛لأن الإثم ليس هو الحكم الوحيد لاسم المبتدع حتى يلزم من رفع الحكم رفع الاسم، بل هو وأحكام أخرى ستبقى ولن تُرفع كالهجر أو التحذير أو التنفير.

وكل ذلك غير متوفر في من وقع في البدعة في مسائل النزاع السائغ؛إذ لا يتعلق بهذه المسائل حكم يفتقر لاسم المبتدع بل الحكم الوحيد هو الذم والتأثيم وقد رفعهما التأويل فلا مكان لبقاء اسم المبتدع؛ لأن اسم المبتدع لا يمكن تخليصه من الذم،وحال المسائل الاجتهادية يختلف عن حال المسائل التي فيها خلاف غير سائغ .. فالمسائل الاجتهادية أخف بكثير جداً، بينما في مسائل الخلاف غير السائغ ورغم كون الواقع فيها قد يكون معذوراً إلا أن اسم المبتدع نافع في التنفير عن بدعته وباقي الحكام المذكورة، ونحن لا نقصد لتنفير الناس عن الاطمئنان لقول من قال بالجهر بالتسمية بل اتباع القائل به جائز في الجملة .. فلا يتضمن الاسم حينها أي حكم بل يكون علماً مجرداً فالأصح رفعه.

يقول شيخ الإسلام: ((وَهَذَا كَسَائِرِ الْأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ بِالِاضْطِرَارِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ يَشُكُّ فِيهَا أَوْ يَنْفِيهَا: كَالْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ عِنْدَهُمْ فِي شَفَاعَتِهِ وَحَوْضِهِ وَخُرُوجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ النَّارِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ عِنْدَهُمْ: فِي الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْعُلُوِّ وَالرُّؤْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِسُنَّتِهِ كَمَا تَوَاتَرَتْ عِنْدَهُمْ عَنْهُ؛ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا تَوَاتَرَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ - مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْهُ - الْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ وَتَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَجْمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَاعْتِبَارُ النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُنَازِعُهُمْ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَبْدِيعِ مَنْ خَالَفَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُصُولِ؛ بِخِلَافِ مَنْ نَازَعَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي تَوَاتُرِ السُّنَنِ عَنْهُ: كَالتَّنَازُعِ بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ وَفِي الْقُسَامَةِ وَالْقُرْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْمَبْلَغَ)).

فإن قال قائل: هذه لنا فهو يرفع اسم البدعة عن تلك المسائل.

قيل له: لا؛ لأن كلامه صريح في أنه يمنع إطلاق اسم المبتدع على المجتهد ولم يتطرق للمسألة وحكمها؛ ولأنه قد ثبت عن بعض السلف إطلاق اسم البدعة في مسألة الشاهد واليمين ولا يخفى عليه ذلك.

وإن قال قائل: ولم استدللت بهذا النقل على رفع اسم المبتدع عن المخالف في المسائل الاجتهادية ولم تجعل هذا النقل في رفع الحكم مع بقاء الاسم (؟؟)

قلنا: لأن رفع الحكم لا فرق فيه بين المسائل الاجتهادية وغيرها كما هو معروف من مذهب شيخ الإسلام فلم يبق إلا أنه يقصد رفع الاسم واستعماله في مخاطبة المجتهدين في محال النزاع.

رد خطأ بعض الباحثين في تلك المسألة:

وقد أخطأ الشيخ محمد حسين الجيزاني في تحريره لهذه المسألة خطأ نحب بيان وجهه ..

قال الشيخ في كتابه: ((معيار البدعة)) تحت عنوان: (لا تبديع في مسائل الاجتهاد):

((متى ثبت في مسألة من المسائل كونها مسألة اجتهادية فلا يصح إطلاق وصف البدعة على قول واحد من المجتهدين فيها)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير