تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وهذا من الأخطاء في تصور محل النزاع؛ لأن اسم البدعة لم يُطلق لمجرد قول المجتهد بل أطلق على الفعل الذي يدعي المجتهد إثبات كونه السنة،فيرد مخالفه بأن الفعل المتنازع فيه إنما هو بدعة، فوصف قول المجتهد بالبدعية إنما هو راجع في الأصل لإثبات البدعية للفعل المدعى سنيته وليس هو وصفاً لمجرد قول مجتهد.

ثم قال: ((وفي المقابل: متى ثبت في مسألة ما كونها بدعة فإن هذه المسألة –والحالة كذلك-لا مدخل فيها للاجتهاد،بل هي من قبيل المذموم)).

قلت: وهذا خطأ فضابط الخلاف المذموم غير السائغ هو ما كان خلافاً لإجماع قديم أو ونص قاطع، وقد اختلف السلف في مسائل وأفعال هل هي سنة أم بدعة ولم يكن مع واحد منهم لا إجماع ولا نص، وسمى بعضهم تلك الأفعال بدعة،ولكنه لم يجعل الخلاف فيها مذموماً،كما وقع في مسألة الجهر بالبسملة ومسألة القنوت، وعمل السلف هذا يدل على خطأ الخلط بين بابي البدعة والخلاف غير السائغ.

بل يقال: كل نزاع غير سائغ فهو بدعة لكن ليست كل بدعة يكون النزاع فيها غير سائغ،بل يقع التنازع في بدعية أشياء وسنيتها وليس مع أحد المتنازعين نص يقطع النزاع أو إجماع مما يمنع وصف هذا النزاع بأنه سائغ وبما يجعل من اللغو رفع اسم البدعة ومنع من يرى البدعية من إطلاق اسمها على المسألة محل النزاع.

ثم قال: ((والضابط لهذه القاعدة أنه متى أمكن رد قول ما من الأقوال إلى دليل معتبر شرعاً فإن هذا القول لا يعد بدعة)).

قلتُ: قد أطلق بعض السلف من الصحابة والتابعين اسم البدعة والإحداث على مسائل للمخالف فيها أدلة معتبرة في الجملة، وإنما المُطلق يصف المسألة بما يراه وقد استقر عنده أنه لا تلازم بين إطلاق اسم البدعية وبين ترتب أحكامها على كل قائل بها.

ثم قال: ((وهذه القاعدة قريبة من قاعدة أخرى وهي قاعدة: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، بل هي جزء منها، وذلك أن التبديع نوع من الإنكار، بل التبديع من أعلى درجات الإنكار)).

قلت: وهذا خطأ في تصور المسألة؛ إذ إن إطلاق اسم البدعية لا يلزم منه الإنكار بمعنى الذم والتأثيم لجنس القائل والفاعل، بل الغرض من إطلاق اسم البدعية هو وصف المسألة محل النزاع بأنها ليست سنة وذمها وإنكارها، وليس المراد به الإنكار والذم على جنس القائل بها،وإنما هو إنكار وذم للفعل، ثم يلحق هذا الإنكار فاعل هذا الفعل وقائله إن كان غير متأول ويتخلف عنه إن كان متأولاً، فحكم الفاعل وذمه والإنكار عليه هو مبحث آخر غير مبحث حكم الفعل وإنكاره وذمه.

ثم عرف فيه المسائل الخلافية والاجتهادية تعريفاً فيه دور وليس فيه ضبط لمناطات هذه المسائل.

ثم ذكر ضوابط المسائل الاجتهادية وأصاب فيها في الجملة ثم نقل بعض كلام أهل العلم في عدم الإنكار على المخالف في المسائل الاجتهادية ليتثنى له إسقاط هذا على المسألة محل النزاع، وقد أعلمناك انفكاك الجهة بين المسألة محل النزاع وبين مسألة الإنكار في مسائل النزاع السائغ ..

ثم ساق أدلته على تقعيده فكان الدليل الأول: ((أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) يدل على أن البدعة يلازمها التأثيم والضلال والوعيد بالنار.

ثم قال إن هذا يقابله حديث إذا اجتهد الحاكم ثم قال: ((إن المستفاد من مجموع هذين الحديثين أن الاجتهاد والبدعة معنيان متقابلان،وحكمان لا يجتمعان؛ حيث إن الابتداع مذموم كله، والمسائل الاجتهادية لاذم فيها ولا إثم)).

قلت: وهذا كلام ضعيف جداً وغريب جداً،وبيانه:

1 - لفظ وكل ضلالة في النار لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضعه المؤلف في صلب الحديث وهذا خطأ.

2 - والمعنى الذي استفاده منه المؤلف وهو أن البدعة يلازمها التأثيم خطأ خالص؛ولأجله أنكر شيخ الإسلام هذه اللفظة فقال: ((. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ} وَلَمْ يَقُلْ: وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ بَلْ يَضِلُّ عَنْ الْحَقِّ مَنْ قَصَدَ الْحَقَّ وَقَدْ اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهِ فَعَجَزَ عَنْهُ فَلَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير