لا أخفيك أني ترددت في إرسال التعليق الثاني، وترددت مرة أخرى في إرسال النقولات دون شرح.
ولكني علقت لأني شعرت أنك لم تقف على سبب نصحي وهو تنبيهك إلى الأدب مع العلماء، فكلامك يقبل إن كنت من أقران الشاطبي والدكتور حاتم في العلم، أما وإنك لست منهم فلأي شيء يترك الناس فهم الأكابر للنصوص الشرعية ويقبلون على فهمك، والإنسان كلما علا كعبه في العلم كان أقرب للصواب بلا شك، وهذا لا يقتضي العصمة كما هو معلوم.
وواضح أنك كنت على عجلة من أمرك في ردك الأخير، فلم تتدع لنفسك فرصة في التفكير كافية؛ فحقًا تسمية الأشياء بتسمياتها الشرعية لا ينافي الأدب، ولكن التجرؤ في نسبة الخطأ للأكابر هو الذي ينافي الأدب مع العلماء، وهذا كان واضحًا من كلامي الأول، فلا أدري سبب ذهولك عنه.
أما عن إرسال النقولات دون شرح فلأني اعتمدت على أنك قد تدرك المراد من أول وهلة، لما رأيت أنك تعتمد في كلامك على النظر والتحليل، ولقد جاء على خاطري أنك قد تقول كلامًا قريبًا مما قلت - بشأن البدعة المحمودة والمذمومة - ولكني أحسنت الظن بك، أنك لن تنتصر لنفسك، فتبحث عن كلام - مما يمكن أن يكون محلًا للنقد - لترد به علي، وطردت ذلك الخاطر عني.
ولكن للأسف .. خاب ظني .. وحدث ما كنت أخشاه ..
أخي ..
لم يكن مقصدي أن أرفع الخطأ عن الشيخ الدكتور حاتم الشريف، بقدر ما كنت أريد أن أبصرك بكلام منصوص عليه، ليكون لك زادًا، تعيد على أساسه النظر في مقالتك.
والنقل الأول عن ابن حجر - الذي تجاهلته تمامًا في تعليقك - هو نفس الأصل الذي نص عليه الدكتور حاتم، فلم تركته وتعلقت بالنقول الأخيرة؟!
قال ابن حجر في فتح الباري (في باب الأذان يوم الجمعة): وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق اِبْن عُمَر قَالَ " الْأَذَان الْأَوَّل يَوْم الْجُمُعَة بِدْعَة " فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْإِنْكَار، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ يُرِيد أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنه يُسَمَّى بِدْعَة، لَكِنَّ مِنْهَا مَا يَكُون حَسَنًا وَمِنْهَا مَا يَكُون بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وواضح أن الأثر عن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان في المذموم من البدعة، ومع ذلك فانظر إلى تعليق الحافظ ابن حجر.
وما سوى ذلك من النقول إنما نقلته تدعيمًا لأصل هو أن مصطلح البدعة كان يجري على ألسنة الصحابة بمدلولات مختلفة - لغوية وشرعية - ولم يكن حديثي معك عن تقسيم البدعة في الدين إلى بدعة حسنة وبدعة غير حسنة، والذي أسفر تعليقك المختصر عليه عن سوء فهم بين لكلام العلماء الأجلاء، لاسيما المنقول عن الشافعي الإمام، والذي نسبت إليه وإلى شيخ الإسلام ابن تيمية الخطأ في مكان آخر، وبالتحديد في مشاركتك في موضوع التزهيد في أصول الفقه، حين قلت:
((والموجود أخي الكريم من الكتب التي نجت من البدعة أو من التأثر الفلسفي والمنهج غير العربي إنما هي رسالة الشافعي وطائفة لا بأس بها من كلام شيخ الإسلام .. وإن كان يقع للشيخين الخطأ من غير جهة المنهج كما إنه يقع للكتب البدعية السابقة الصواب من غير جهة المنهج .. ))
أما عن قولك: ((وأرجو من الأخ الكريم مراجعة أبواب البدعة وأحكامها؛لأ هذا الذي نقله ولونه بالأحمر يدل على عدم ضبطه لأصول هذا الباب عند أهل السنة .. ))
فزادك الله أدبًا وكرمًا .. وليتك تزيد ((عندي)) في قولك: ((يدل على)) .. وحينئذ يزول العجب من تلك الدلالة، فقد عرف صاحبها!!
وإني لغني عن ضبط كضبطك، ويكفيني ضبط أعلام أهل السنة في زماننا لهذا الباب، وإجازة أكابرهم - في مصر والسعودية - لي، وما كنت لأدع فهمهم إلى فهمك، إني إذا لمن الظالمين، ولله الحمد أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
تنبيه: حتى لا يتحول الأمر إلى مراء، فإني أعتذر عن المشاركة في هذا الموضوع مرة أخرى.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[20 - 04 - 10, 05:06 م]ـ
بارك الله فيك ..
بالنسبة لي مسألة تخطئة ما أراه خطأ هي مسألة منتهية أياً كانت منزلة الذي أخطأ ولا أشترط القرانة في ذلك ولا شترط سوى الحجة وعدم البغي في المخاطبة فاعرف هذا من أصولي، وأعرض عن مواضعه في كلامي إن لم تقبله ..
ومجرد القول بوقوع إطلاق اسم البدعة لا يراد بها البدعة المذمومة هذا لم نحكم بأنه خطأ، الذي حكمنا بأنه خطأ هو أن السلف يطلقون اسم البدعة ولا يريدون المذمومة وذلك على ما خالف السنة ..
فهذا الكلام بصورته تلك خطأ، وإنما الذي يقع أن يُطلق اسم البدعة على ما يُخالف السنة من وجه مع كونه يوافقها من وجه آخر ..
وبالتالي فهذا الباب كله لا يصلح إيراداً علينا إذا فهم على وجهه؛ لأن محل بحثنا هو في البدعة المذمومة في الدين ولم نورد إلا أمثلتها في رأينا ..
وكان يتجه هذا الإيراد على كلامي لو كنتُ قد أوردت كلام ابن عمر أو أبيه رضي الله عنهما في البدعة أو التراويح ..
فهاهنا مسألتان:
1 - إطلاق أن السلف أطلقوا اسم البدعة غير المذمومة على ما خالف السنة = خطأ،مالم يقيد ذلك بالمخالفة من وجه.
2 - إطلاق السلف لاسم البدعة غير المذمومة لا تعلق له بمسألتنا؛لأن محل نزاعنا والأمثلة التي أوردناها هي في البدعة المذمومة وإن رأى غيرنا أن بعضها في غير المذمومة فهذه وجهة نظره، وهذا ترجيحنا في الأمثلة التي أوردناها إا في موضع أو موضعين هما محل تأمل، فلينصرف الناظر إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا نزاع في كونها في المذمومة، فالحجة تقوم بواحد منها فأكثر ..
بوركت ونفع الله بك ..
¥