إن كان في عصر الصحابة كان إجماعًا وإلا فلا، قال الماوردي في "الحاوي" والروياني في "البحر": إن كان عصر الصحابة فإذا قال الواحد منهم قولًا أو حكم به فأمسك الباقون فهذا ضربان:
أحدهما: مما يفوت استدراكه كإراقة دم واستباحة فرج، فيكون إجماعًا لأنهم لو اعتقدوا خلافه لأنكروه؛ إذ لا يصح منهم أن يتفقوا على ترك إنكار منكر. والثاني* إن كان مما لا يفوت استدراكه كان حجة لأن الحق لا يخرج عن غيرهم وفي كونه إجماعًا يمنع الاجتهاد وجهان لأصحابنا: أحدهما: يكون إجماعًا لا يسوغ معه الاجتهاد، والثاني: لا يكون إجماعًا سواء كان القول فتيا أو حكمًا على الصحيح.
القول العاشر:
أن ذلك إن كان مما يدوم ويتكرر وقوعه والخوض فيه فإنه يكون السكوت إجماعًا، وبه قال إمام الحرمين الجويني.
قال الغزالي في "المنخول": المختار أنه لا يكون حجة إلا في صورتين:
أحدهما: سكوتهم وقد قطع بين أيديهم قاطع لا في مظنة القطع والدواعي تتوفر على الرد عليه.
الثاني: ما يسكتون عليه على استمرار العصر، وتكون الواقعة بحيث لا يبدي أحد خلافًا فأما إذا حضروا مجلسًا فأفتى واحد وسكت آخرون فذلك اعتراض لكون المسألة مظنونة، والأدب يقتضي أن لا يعترض على القضاة والمفتين.
القول الحادي عشر:
أنه إجماع بشرط إفادة القرائن العلم بالرضا، وذلك بأن يوجد من قرائن الأحوال ما يدل على رضا الساكتين بذلك القول، واختار هذا الغزالي في المستصفى1، وقال بعض المتأخرين: إنه أحق الأقوال لأن إفادة القرائن العلم بالرضا، كإفادة النطق له فيصير كالإجماع القطعي.
القول الثاني عشر:
أنه يكون حجة قبل استقرار المذاهب لا بعدها، فإنه لا أثر للسكوت، لما تقرر عند أهل المذاهب من عدم إنكار بعضهم على بعض إذا أفتى أو حكم بمذهبه مع مخالفته لمذاهب غيره، وهذا التفصيل لا بد منه على جميع المذاهب السابقة هذا في الإجماع السكوتي إذا كان سكوتًا عن قول "لمذهب" ارشاد الفحول (223/ 1)
2 - وقال تاج الدين السبكي (الإجماع السكوتي حجة وليس بإجماع خلافًا للخصوم) الاشباه والنظائر (169/ 2)
وقال (أنه ليس باجماع ولا حجة وبه قال الغزالي والامام وأتباعه ونقله هو والآمدي عن الشافعي لكن قال الرافعي المشهور عند الأصحاب أن الإجماع السكوتي حجة لأنهم لو لم يساعدوه لاعترضوا عليه وهل هو إجماع أو لا فيه وجهان وقال الشيخ أبو إسحاق في اللمع أنه إجماع على المذهب
والثاني أنه إجماع بعد انقراض العصر وبه قال أبو علي الجبائي والإمام أحمد وهو أحد الوجهين عندما نقله الرافعي
الثالث أنه حجة وليس إجماعا وذهب إليه أبو هاشم بن أبي علي وهو المشهور عند أصحابنا كما نقله الرافعي وهل المراد بذلك أنه دليل آخر من أدلة الشرع غير الإجماع أو أنه ليس إجماع قطعي بل ظني النظر مضطرب في ذلك ويؤيد الأول قول الماوردي والقول والثاني أنه لا يكون إجماعا قال الشافعي من نسب إلى ساكت قولا فقد كذب عليه فاقتضى أن الساكت لا ينسب إليه قول لا ظنا ولا قطعا ويعضد الثاني قول أبي عمرو بن الحاجب في المختصر الكبير هو حجة وليس بإجماع قطعي
والرابع ذهب إليه أبو علي بن أبي هريرة إن كان هذا القول من حاكم لم يكن إجماعا ولا حجة وإلا فإجماع لأن الاعتراض على الحاكم ليس من الأدب فلعل السكوت صلى الله عليه و سلم لذلك وأيضا فالحكم في المختلف فيه لا ينكر ويصير مجمعا عليه بخلاف الفتيا
والخامس عكس ذلك لأن الحكم إنما يصدر بعد بحث واتقان بعد الكلام مع العلماء وتصويبهم لذلك فإذا سكتوا عن الحكم جعل ذلك إجماعا وأما الفتيا فلا يحتاط فيها كالحكم وذهب إلى هذا أبو إسحاق المروزي ثم استدل صاحب الكتاب على ما ذهب إليه هو وإمامه من أنه ليس بإجماع ولا حجة بأن السكوت يحتمل وجودها سوى الرضا وهي كثيرة
أحدها أنه كان في مهلة النظر
الثاني أن يكون في باطنه مانع من إظهار القول وهو الخوف
والثالث أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب فلا يرى الإنكار فرضا وقد ذكر هذه الأوجه في الكتاب
والرابع ربما رآه قولا شائعا لمن أداه إليه اجتهاده وإن لم يكن موافقا عليه
الخامس ربما أراد الإنكار ولكنه ينتهز فرصة التمكن منه ولا يرى المبادرة اليه مصلحة
والسادس أنه لو أنكر لم يلتفت إليه
والسابع ربما سكت لظنه أن غيره قام مقامه في ذلك وإن كان قد غلط فيه
¥