قول الصحابي الاجتهادي الذي للرأي فيه مجال في المسائل التكليفية والذي لم يخالف نصاً أو إجماعاً، ولم يدل عليه دليل من نص أو إجماع، ولم يخالف دليلاً من نصٍ أو إجماع، ولم يوافقه غيره من الصحابة ولم يخالفوه لا بقول ولا بفعل ولم يرجع عنه ولم ينتشر بين الصحابة.
وقد اختلف في هذه المسألة على أقوالٍ كثيرة ومن أهم هذه الأقوال:
القول الأول: أن قول الصحابي حجة وهو القول المنسوب للإمام مالك والشافعي في القديم وأنكر ابن القيم أن يكون للشافعي قولاً جديداً غيره وهو القول الذي ذكره الشافعي في كتاب اختلافه مع مالك وهو من كتبه الجديدة كما ذكر العلائي وهو إحدى الروايتين عن أحمد أومأ إليها في عدة روايات كما في رواية ابي الحارث في ترك الصلاة بين التراويح ورواية أبي طالب فيمن أكل بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم ورواية ابي طالب أيضاً في هبة المرأة وغيرها واختاره من الحنابلة القاضي ابو يعلى وابن القيم وانتصر له في كتابه إعلام الموقعين، ونسب هذا القول السرخسي للحنفية.
القول الثاني: أن قول الصحابي ليس بحجة وهو الرواية الثانية عن أحمد أومأ إليه في رواية أبي داود وهو المشهور عن الشافعية أنه قول الشافعي في الجديد وهو قول أكثر أتباعه كالغزالي والآمدي وبهذا قال بعض الحنفية كالكرخي والدبوسي، وهو قول أهل الظاهر والمعتزلة.
القول الثالث: أن قول الخلفاء الأربعة فقط حجة وأما بقية الصحابة فليس قولهم حجة.
القول الرابع: أن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون بقية الصحابة.
القول الخامس: ان قول الصحابي حجة إذا وافق القياس، وأشار إليه الشافعي في الرسالة فيما إذا اختلفت أقوال الصحابة ونسبه إليه الباقلاني في الجديد نقلاً عن المزني كما نسبه إليه القاضي حسين وابن القطان واختاره ابن القطان.
القول السادس: أن قول الصحابي حجة إذا خالف القياس وبه قال الغزالي في المنخول وابن برهان في الوجيز قال: ومسائل الإمامين أبي حنيفة والشافعي تدل عليه وذكر لهذا أمثلة فقهية.
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول: استدل من يرى أن قول الصحابي حجة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول:
أولاً: أدلة الكتاب:
1 - قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}
2 - وقال تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم}
3 - قال تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً}
4 - وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً}
وأجاب النفون لحجية قول الصحابي عن الاستدلال بهذه الآيات بأنها تدل على فضيلة الصحابة رضي الله عنهم لا غير وهذا أمر يجب اعتقاده في حق الصحابة رضي الله عنهم لكن هذا لا يلزم منه قبول أقوالهم فليس في هذه الآيات الأمر بلزوم أخذ قول الصحابي الفرد.
ثانياً: أدلة السنة النبوية:
1 - عن عويم بن ساعدة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال:
" إن الله تبارك وتعالى اختارني، واختار لي أصحاباً، فجعل لي منهم وزراء، وأنصاراً، وأصهاراً، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل " رواه الحميدي في مسنده.
¥