تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان يقول رحمه الله: ما رواه الناس مثل ما روينا فنحن وهم سواء ما خالفناهم فيه فنحن أعلم به منهم.

يقول ابن عبد البر في الجامع: ليس لأحد من علماء الأمة أن يثبت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرده دون ادعاء نسخ عليه يباشر مثله أو إجماع أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه أو طعن في سنده ولو فعل ذلك لسقطت عدالته فضلا عن أن يتخذ إمامًا ولزمه إثم الفسق، قال هذا في الرد على الليث بن سعد فيما ادعاه من أن مالكًا خالف السنة في سبعين مسألة قال فيها برأيه، فنحن نرى الحافظ ابن عبد البر يستبعد صدور المخالفة من مالك للحديث الذي يرويه ثم يعمل بخلافه دون أن يكون له سند يعتمد عليه ويعول عليه من نسخ أو ترجيح.

على أن الإمام مالك لم يقل أصلًا بأن عمل أهل المدينة هو الإجماع الذي يعد المصدر الثالث من مصادر التشريع إذ تعابيره في الموطأ لا تخرج عن قوله: (هذا الأمر الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا، أو الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، أو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أو ما أعرف شيئًا مما أدركت عليه الناس أو السنة عندنا، أو ليس على هذا العمل عندنا، أو الأمر الذي سمعت من أهل العلم، أو السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أو السنة التي عندنا والتي لا شك فيها، أو قوله وليس العمل على هذا) هذه هي الصيغ التي استعملها مالك في موطئه قاصدًا بها عمل أهل المدينة.

فما ذكره مالك في عمل أهل المدينة هو بمثابة العرف الذي يوجد في أي مكان، ولذلك قال ابن خلدون في مقدمته (ص445): ولو ذكرت المسألة (يعني عمل أهل المدينة) في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره أو مع الأدلة المختلف فيها مثل قول الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق.

فهذا العمل الذي عليه أهل المدينة يرفع الخلاف ويرجح ما هم عليه على غيرهم من المذاهب على أن مالكًا هو أكثر الناس تحرجا من البدع والشبهات وتمسكًا بما عليه الصحابة والتابعون، وإنما يرجح عمل أهل المدينة على غيرهم لأن أهلها أقرب إلى صفاء التشريع ونقاوته، وهم أبعد الناس عن أن يكونوا على ضلالة من أمرهم وهم أقرب الناس عهدا بالرسول وأصحابه وأتباعهم، وهذا شبيه بما كان عليه أبو يوسف صاحب أبي حنيفة حين كان يقدم العرف على الحديث ويقول: "إن الحديث ليس إلا تأكيدًا أو إقرارًا للعرف الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لو وجد عليه الصلاة والسلام هذا العرف قد تغير تغيرًا موافقًا لأصل الدين لأقره، ومثل هذا فعل الشافعي، فقد أخذ بكثير من عمل أهل مكة وكذلك ينقل عن أبي حنيفة في حكمه بعمل أهل العراق، نقل ذلك الشيخ الحجوي (كتاب الفكر السامي ص 2/ 167) , وإذا كان هؤلاء الأئمة اعتبروا عرف هذه البلدان فعمل أهل المدينة أولى بالاعتبار، ثم إن العمل الذي كان بالمدينة شائعا على عهد مالك رحمه الله, منه ما كان معمولا به على الدوام وهو الذي قال فيه ابن رشد في مقدماته (ص 2/ 565): وما استمر عليه العمل بالمدينة واتصل به فهو عنده -أي مالك- مقدم على أخبار الآحاد العدول، لأن المدينة دار النبي صلى الله عليه وسلم وبها توفي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المتوافرون فيستحيل أن يتصل العمل منهم في شيء على خلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد علموا النسخ فيه.

ثم قال ابن عبد البر"وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه, فسأل عنه فقال أين قبر أخي؟ فدلوه عليه فأتاه فدعا له. قال عبد الرزاق: وبه نأخذ.

قال (أي عبد الرزاق): وأخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صُلي عليها, دعا وانصرف ولم يعد الصلاة.

وذكر (أي عبد الرزاق) عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال: لا تعاد على ميت صلاة.

قال (أي عبد الرزاق) قال معمر: كان الحسن إذا فاتته صلاة على جنازة لم يصل عليها, وكان قتادة يصلي عليها بعد إذا فاتته".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير