قلت: وسند الأثرين صحيح عن ابن عمر (انظر المصنف رقم 6546 و6545 والأوسط 3038) , وأما أثر إبراهيم النخعي فسنده ضعيف لتدليس المغيرة بن مقسم (انظر المصنف رقم 6544) وهو عند ابن أبي شيبة (رقم 37537) من طريق شعبة عن المغيرة به بلفظ: كانوا يكرهون أن يصلوا بين القبور, وكذا أثر الحسن البصري للانقطاع بينه وبين معمر (انظر المصنف رقم 6547) , وقد جاء مرسلا صحيحا عنه بلفظ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ. من طريق حفص بن غياث عن أشعث الحدّاني عن الحسن به, (انظر ابن أبي شيبة رقم 37531) , ثم رأيت يحي بن سعيد القطان ينكر على من ادعى أن الحسن كان يصلي بين القبور (انظر تهذيب الكمال عند ترجمة: سهل بن أبي الصلت) , قال عمرو بن علي عن يحي بن سعيد القطان: روى (أي سهل بن أبي الصلت) شيئا منكرا أنه رأى الحسن يصلي بين سطور القبور. وحدثنا الأشعث عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور –كأنه يثبته-.
وأما أثر معمر عن قتادة فصحيح الإسناد عنه (انظر المصنف رقم 6547).
وأختم هذه الفقرة بأصح وأصرح ما ورد عن أنس رضي الله عنه: أنه كره أن يصلي على الجنازة في المقبرة. (انظر ابن أبي شيبة رقم 37536 و7669 وابن المنذر 3053) من طريق عاصم الأحول عن ابن سيرين عن أنس به, ولا يخفى القارئ أن إطلاق الكراهة عند السلف هي بمعنى التحريم. والله أعلم.
ثم باشر الإمام ابن عبد البر ذكر مذهب المجيزين مع ذكر أدلتهم فقال: "وقال الشافعي وأصحابه من فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إن شاء الله وهو رأى عبد الله بن وهب ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وهو قول أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وسائر أصحاب الحديث قال أحمد ابن حنبل رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان كلها".
قلت: تنبيه:
· الملاحظ أن الخلاف المذكور والمنقول خاص بمن فاتته صلاة الجنازة فرُخّص له حينئذ أن يصلي عند القبر أو عند سرير الميت استثناء من الأصل الناهي عن اجتماع مسجد ومقبرة في محل واحد, لا بمن يقصد المقبرة لصلاة الجنازة, فهل كانت تحمل الجنائز إلى المقابر للصلاة عليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين أو أتباعهم؟ فما بين المسألتين إذن كما بين المشرق والمغرب, فالمسألة الأولى قد دلت النصوص على مشروعيتها, ثم هي شبيهة بمسألة قضاء ما لم يدرك من الصلوات مع الجماعة, فقد كان بعض السلف –مثلا- إذا فاتتهم الصلاة جماعة في المسجد صلوا فرادى, مع أن النصوص الكثيرة جاءت للدلالة على وجوب الاجتماع للصلاة, فكان هذا عذرهم في عدم تكرار الجماعة في المسجد أو غيره –مع الخلاف-, أما المسألة الثانية فلا دليل عليها لا من الكتاب ولا من السنة ولا من عمل السلف, فكان يلزمنا ابتداء مناقشة المسألة من هذا المنطلق. والله أعلم.
· نلاحظ أن صاحب الإتحاف لم يظهر له معنى (الوجه) في قول أئمة الحديث: (من ستة وجوه حسان) التي تعني عندهم عدّ مخارج المتن الواحد, فحديث: من كذب علي متعمدا ... يروى من وجوه قد تفوق العشرة بالنظر إلى رواته من الصحابة والمتن واحد, وأما كاتب الإتحاف فظنها مرات عديدة حتى قال: [وليعلم أنه تكرر فعل هذا منالنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبع مرات، وليس كما يقوله البعض أنه صلىالله عليه وسلم فعلها مرة واحدة، وهذه عبادة،وتعتبر تشريعا] , لهذا السبب وغيره اختلف اجتهاد العلماء في عدّ أحاديث الصحيحين وغيرهما, راجع غير مأمور كتب المصطلح للوقوف على اصطلاحات أهله.
قال ابن عبد البر: "وفي كتاب عبد الرزاق عن ابن مسعود ومحمد بن قرظة أن أحدهما صلى على جنازة بعدما دفنت, وصلى الآخر عليها بعدما صلى الآخر عليها.
قلت: أثر قرظة بن كعب ضعيف لضعف أشعث بن سوار, وهو عن ابن أبي شيبة (رقم 12059) قال حدَّثَنَا هُشَيْمٌ بن بشير، أَخبَرَنَا أَشْعَثُ بن سوار عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَاءَ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ فِي رَهْطِ مَعَهُ، وَقَدْ صلَّى عَلِيٌ على ابْنِ حُنَيْفٍ وَدُفِنَ , فَأَمَرَهُ عَلِيٌّ أَنْ يُصَلِّيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْقَبْرِ, فَفَعَلَ.
¥