تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد بين الله عزوجل أنه ليس للإنسان أن يتصرف باجتهاده كيف يشاء ولو على وجه الحرص بل لابد أن يعلم المصلحة الشرعية في ذلك ويدفع المفسدة، قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: 220) فعلى كل مفتٍ مراعاة السياسة الشرعية للفتوى، فإن من سياسة الفتوى مراعاة أمور تنبغي العناية بها، منها:

أولاً: مراعاة مقاصد الشريعة:

فإن مقاصد الشريعة من أهم ما ينبغي للمفتي والفقيه مراعاته في اجتهاده قال الإمام الشاطبي في كتاب «الاعتصام»: من لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها على غير وجهها. اهـ

وقال فيه أيضاً في سياق ذكر أسباب اختلاف الناس في الشريعة: هذه الأسباب الثلاثة راجعة في التحصيل إلى وجه واحد: وهو الجهل بمقاصد الشريعة والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت، أو الأخذ فيها بالنظر الأول ولا يكون ذلك من راسخ في العلم. اهـ

وقال العلامة الفقيه تقي الدين السبكي في كتاب «الإبهاج شرح المنهاج» في الأصول: كمال رتبة الاجتهاد تتوقف على ثلاثة أشياء ... الثالث أن يكون له من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك وما يناسب أن يكون حكما له في ذلك المحل وإن لم يصرح به. اهـ

وقال الشاطبي في «الموافقات»: إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين أحدهما فهم مقاصد الشريعة على كمالها والثاني التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها، .. إلخ

ثانياً: مراعاة المصالح ودرء المفاسد:

قال الله تعالى في بيان هذا الأصل: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (الأنعام:108) في هذه الآية ينهى الله المسلمين من التسرع في إسماع الكفار مسبة الآلهة مع أن ذلك في حد ذاته مقصد شريف، لكن لما كان سبباً في تعرضهم لمسبة الله منعوا من ذلك لأنه يوصل إلى مفسدة أكبر. قال العلامة ابن القيم في كتاب «إعلام الموقعين»: حرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم لله تعالى وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز. اهـ.

وهذا أصل عظيم في كل أفعال المكلفين وأهل الفتوى والسلطان أعظم الناس مراعاة له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وباب التعارض باب واسع جدا لاسيما فى الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة فإن هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فانه إذا اختلطت الحسنات (أي المصالح) بالسيئات (أي المفاسد) وقع الاشتباه والتلازم فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة، أو يتبين لهم فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الأهواء قارنت الآراء .. فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء لا التحليل والإسقاط مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر، فالعالم تارة يأمر وتارة ينهي وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح بحسب الإمكان، فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير