تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويمكن أن يُراد بالمقاصد في الشريعة والقانون: الحِكَم والغايات المصلحية من التشريع، التي هي الإرادة التشريعية ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_edn7)).

وعند جَعْل مقولة:"المقاصد" في مَحَكِّ التطبيق نجد أنها موطنٌ احتدم فيه الصراع من قبل التيارات: المحافظة، التي قد توصَف بالظاهرية، والمنفتحة، التي قد توصَف باتباع الرأي. الأول يُشَدِّد في اتباع النص، ويُظْهِر قدسيته، ويَتَّهم الآخَر بزعزعة الثوابت باسم المقاصد، وأنه يريد أن يجعلها متغيرة، حتى في المقدَّرات والحدود، والثاني يُشَدِّد في اتباع المعاني، ويَفْهَم النصوصَ بها، ويَتَّهم الآخر بجعل المتغيرات ثوابت، حتى في الأمور العرفية المصلحية، التي تتغير بتغير الزمان والمكان والشخص والحال.

وهناك تيار لا ينطلق من أرضية التسليم للنص ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_edn8))، وإنما من الواقع الذي يَفْهَمُه العقل، فهو يرى أن المقاصد لم تحقق الهدف منها، وهو: الإقلال من الخلاف، وكونها قواطع يُحْتَكم إليها؛ إذ الخلاف – في نظره – لم يَنْحِسم، بل ولا انْحَسَر، فقد استمر، وازداد، واشتد، وانتقل الخلاف من الفروع إلى الخلاف في مقولة المقاصد: في تكوينها، وفي الاستدلال بها، فما ظُنَّ أنه به يَحْسِم الخلاف إذا به سببٌ للخلاف، وما ظُنَّ أنه قواطع يُحْتَكم إليها إذا بها ظنون، توقع في النسبية؛ ويذكر أن السبب في الوقوع مما أُريد الإفلات منه هو: أن العقلَ الفقهي – سواء عند المحافظين، أو المنفتحين – معقولٌ، أي: أنه داخل قفص النصوص، عاجز عن الانطلاق، وكَسْر قيود التقليد، وأنه بذلك لا يقوى عن مجاراة الحياة الحاضرة، ولا يستوعبها؛ لأنه أنكر الحياة، فأنكرته، فانْفَصَمَتْ صلتها بالعقل الفقهي، فلا يمكنها أن تأنس إلا بعقل يكون من طينتها، وهو العقل النقدي الحر، فهو سليلها بلا نزاع، هكذا يزعم هذا التيار.

وهذا التيار – الذي ينطلق من الواقع في تكوين مبادئه – يَدْرُس النصوصَ بالسياق التاريخي، فيُفَسِّرها بمنهج:"تفكيك النص": مقدساً كان، أو غير مقدس؛ لتنتهي بذلك سلطة النص ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_edn9)).

إن الجدل في مقولة:"المقاصد" دائرٌ بين الصفة الواقعية والصفة المعيارية، فالغاية من التشريع: معاني وحِكَم مصلحية، تعود بالنفع على البشرية، وهذه المنافع مبثوثة في واقع الوجود، في هذه الدنيا، فيرى البعض أن الفِكْر يحتكِم للنص، فهو معيارٌ لتقويمه وتصحيحه، يرفع الواقعَ إليه. وآخر يرى أن المقاصد لها الصفة المعيارية، فلا يجمد على ظاهر النص، لكنه لا يزال في دائرة تقديس النص. وآخر يرى أن الواقع هو المعيار، ينظر إلى النص بمنظارٍ تاريخي، وبمنهجٍ تفكيكي، فلا النص معيارٌ، ولا مقاصده معيارٌ، غير أن جَعْل المقاصد معيارٌ، وهي المنافع في واقع الوجود – يَرْتَدُّ إلى نوعٍ من كون الواقع هو المعيار؛ ولذلك مَن لا يعتبر المقاصد معياراً يقع في التناقض؛ لكون المقاصد منافعاً في الواقع. كأن الأمر يدور في حلَقة: واقعية ... معيارية ... واقعية ... وهكذا دواليك.

يزداد الأمر إشْكالاً عند تراجع السلطتين: السياسية والعلمية، أو عند شغور الزمان منهما ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_edn10)) ؛ إذ تكون المقاصد حينئذٍ هي المنقِذ ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_edn11))، فالإحالة على أمور كلية مقاصدية أولى من التخَبُّط في الجهالات، والمقاصد هي منافع في الواقع، وقد اعْتُبِرَتْ معياراً، فارْتَدُّ الأمر إلى نوعٍ من كون الواقع هو المعيار، ورجعنا إلى الدوران في الحلَقة ...

وحينئذٍ تبرز الحاجة الملحة إلى اكتشاف العلاقة بين الصفتين: الواقعية، والمعيارية في ضوء مقولة:"المقاصد"، وأطْرَح ذلك على طاولة البحث والدراسة، حاثَّاً المفكرين على اكتشاف هذه العلاقة، وما كان هذا المقال إلا دعوة للبحث في اكتشاف هذه العلاقة.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير