تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: أن يكون العرف الجديد الذي تغيرت بسببه الفتوى غير مخالف لنص شرعي، مثل: إهمال أهل منطقة لبعض ألفاظ تعارف أسلافهم على أنها من ألفاظ الطلاق، بحيث لو جرت على ألسنتهم لم يخطر ببالهم ولا في نيتهم أنها لفظ من ألفاظه؛ ولذلك لا تترتب عليها الأحكام التي ترتبت عليها عند أسلافهم الذين تعارفوا عليها؛ هذا إذا لم تكن من ألفاظ صريح الطلاق التي يقع فيها الطلاق في حالتي الجد والهزل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة» [الترمذي (1184) وحسنه الألباني]. وقد راعى الشارع أمر الزمان والمكان؛ ألا ترى أن حد السرقة هو قطع يد السارق، إلا أنها لو وقعت أثناء غزو الأعداء وفي بلادهم فإنها لا تقطع هناك، بل يلزم تأجيل إقامة الحد، لئلا يداخل صاحبَها حمية الشيطان فيلحق بالكفار؛ والدليل على عدم القطع في الغزو ما ورد عن بسر بن أرطأة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقطع الأيدي في الغزو» [رواه الترمذي (1450) وصححه الألباني رقم 7397 في صحيح الجامع]، وعلى ذلك إجماع الصحابة. فالمنكر إذا ترتب على إنكاره ما هو أنكر منه فلا يسوغ إنكاره، وما قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة، ولجعلت لها بابين» [مسلم رقم (1333)] إلا دليل صدق على ما نقول.

قال ابن القيم: «وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه ونور ضريحه - يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس، وسبي الذرية، وأخذ الأموال، فدعهم» (22).

والمعروف أن أصحاب الإمام أبي حنيفة خالفوا إمامهم في مسائل كان مبناها على العرف، أو تغير الزمان والمكان والأحوال، لا سيما بعد وفاته، وعلل الفقهاء هذا النوع من الاختلاف بأنه اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان. والإمام الشافعي صار له مذهب جديد حين استقر به المقام في مصر، لأمور عديدة من أهمها: تغير الزمان، والمكان، والأحوال. ولهذا رجح الفقهاء بعض الأقوال على بعضها الآخر عند اختلافها اعتباراً للعرف، أو الحال، أو الزمان، أو المكان. قال الحصكفي: «قد يحكون أقوالاً بلا ترجيح، وقد يختلفون في الصحيح، قلت: يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف، وأحوال الناس، وما هو الأوفق، وما ظهر عليه التعامل، وما قوي وجهه» (23)

وعلى الفقيه مراعاة الأحوال قبل إصدار فتواه؛ إذ قد يكون الحكم مبنياً على معنى معين ثم تغير ذلك المعنى كما في صدقة الفطر؛ «فقد جاء الحديث الشريف بإخراج صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط. وقد قال العلماء: يجوز إخراج صدقة الفطر من الذرة أو الأرز أو غيرهما إذا كانت هذه الأصناف غالب أقوات البلد. وعللوا ذلك بأن الأصناف الواردة في الحديث الشريف إنما جاءت؛ لأنها كانت هي غالب أقوات أهل المدينة، ولم تأت على سبيل الحصر والتخصيص» (24)

والمعروف أن «الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال؛ وذلك كله من دين الله» (25)؛ «فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم» (26). غير أنه لا تصح مخالفة النصوص، أو تأويلها تأويلاً متعسفاً، ولا تطويعها لواقع غير إسلامي بدعوى فهم الواقع، أو تغير الزمان والمكان؛ فهذا تحريف للكلم عن مواضعه، واتباع لما تهوى الأنفس.

5 – الضابط الخامس: عدم الإجمال فيما يقتضي التفصيل:

إذا كان في المسألة تفصيل فليس للمفتي إطلاق الجواب، بل عليه أن يستفصل السائل حتى يعطيه الجواب الموافق لمسألته؛ لأن إجمال الفتوى في مثل هذه الحالة تجعل الحكم واحداً لصور مختلفة تختلف الفتوى باختلافها، فيجيب بغير الصواب، ويَهلك ويُهلك، وما ذلك إلا لعدم التبين. يدل على ذلك أن أبا النعمان بن بشير سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد على غلام نَحَله ابنَه، فاستفصله النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: أكلَّ ولدك نحلته كذلك؟ فقال: لا، فأبى أن يشهد. ويفهم من هذا أن الأولاد إذا اشتركوا في النحل صح

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير