(سَيفُ خَطيبٍ) .. المصطلح النحويُّ المفقود!
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[13 - 06 - 08, 04:48 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
(سَيفُ خَطيبٍ) .. المصطلح النحويُّ المفقود!
• الآلُوسِي:
محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسيّ، شهاب الدين، أبو الثناء، ونسبته إلى ألوس؛ وهو اسم رجُل سمّيت به بلدة على الفرات. فقيهٌ حنفيٌّ مجتهد، ومفسرٌ متبحِّر. كان شيخ العلماء في العراق، جمع كثيراً من العلوم، وقد كان أديباً ونسيجاً وحدَه في النثر وقوة التحرير وغزارة الإملاء وجزالة التعبير .. وكان يقول: "ما استودعتُ ذهني شيئاً فخانني، ولا دعوت فكري لمعضلة إلاّ وأجابني"!
• روح المعاني:
وقد ترك الآلوسيُّ - يرحمه الله - ثروةً علميةً كبيرةً نافعة، بيدَ أنه يأتي على رأس هذه المؤلفات كتابهُ (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، الذي أفرغ فيه وسعَه وبذل مجهوده.
ومن أهمّ ما يمتاز به (روح المعاني) الاستطرادُ في الكلام في الصناعة النحْوية، والتوسع إلى حدٍّ يكاد يخرج به عن وصفِ كونهِ مفسراً! .. ولا يكاد يخلو موضع في كتابه من هذا الاستطراد والتوسع في النحو والإعراب.
وقد أدليت بدلوي في بحر هذا التفسير، فكان من الدرر التي التقطتُها مصطلحٌ جمع بين الندرة والغرابة، ولم يتكرر في كتابه إلاّ في تسعةٍ وعشرين (29) موضعاً، ألا وهو مصطلح (سَيفُ خَطِيبٍ).
• السيف المفقود!:
(سَيفُ خَطِيبٍ) مصطلحٌ خاصّ تتمازج فيه الصبغتانِ النحويةُ والبلاغية، ولا يخلو من إبهام، ويحيطُ الغموضُ بمحاولات اكتشاف أبعاده من خلال استخداماتٍ قديمة مشابهة وإشاراتٍ تراثية مفتاحية ..
وقد نعتّهُ بالـ (مفقود) في عنوان البحث لأني لم أعثر له على أثرٍ في مظانّه عند أحدٍ غير الآلوسي، بدءًا بكتب النحو واللغة والأدب، ثم التفسير والفقه والتاريخ ... استنتجت ذلك بعد البحث الإلكتروني في آلاف الكتب التي تحويها موسوعات (التراث)، بالإضافة إلى البحث في بعض الكتب المطبوعة، وفي الشابكة (الإنترنت) .. حتى خرجت أخيراً بنتيجة أن المصطلح مفقود منذ القِدم ولم يستخدمه فيما بين أيدينا من المؤلفين غيرُ الآلوسي. وفقدانه هنا بمعنى انعدام معرفتنا به أو استخدامه حديثاً. والله تعالى أعلم.
• قد .. وقَد؟:
وقد يكون (سَيفُ خَطِيبٍ) مستخدَماً لدى علماء النحو ممن تتلمذ عليهم قديماً ولم نعرفهم من البصريين والكوفيين في نَواحٍ من العراق، ثم استُبدل بغيره أو أهمِل؛ كبعض المصطلحات التي لا تلقى قبولاً لدى المهتمين، قدمائهم والمعاصرين.
ولا يُستبعد أن يكون مصطلحاً من اختراع الآلوسيّ وصناعتِه، لأحد سببين:
1 - اجتهاداً منه في تسمية بعض أحرف الزيادة بغير أسمائها؛ احتراماً لكلام الله تعالى وتنْزِيهاً له من أن يكون فيه أحرف للزيادة الصِّرفة.
2 - أو لنظرةٍ بلاغية خاصة يقصد منها معنًى (بلاغيًّا) يختلف في كلّ مرة بحسب السياق، وهذه النظرة البلاغية تدعم وتضاف إلى المعنى النحوي وهو الزيادة.
ولو وصل إلينا تراث الآلوسي كاملاً فلربما استطعنا من خلاله معرفة المزيد حول هذا المصطلح، ولكن الكثير من تراثه مفقود ولم نظفر إلا بالقليل منه.
• شرح الآلوسي لهذا المصطلح:
وقد فسر الإمام الآلوسي هذا المصطلح في حاشيته على قطر الندى (ص 58) بأنّ معناه: "الزيادة". وهو شرح مختصر يتعلق بالمعنى النحويّ فقط. كما أنه لم يذكر معنى مصطلحه هذا في تفسيره .. بشكل من الأشكال.
... وما علينا إلاّ أن نستنتج بعض الأمور:
• تداعيات:
- يتبادر إلى الذهن عند سماع (سيفُ خطيب) استخدامُ الخطباء للسيوف قديماً وأسباب هذا الاستخدام ... والأخبار في ذلك قليلة أيضاً .. منها خبر (قَسّ بنِ ساعِدَة) إذ قيل: إنه أول من علا على شَرَفٍ وخطب عليه، وأول من قال في كلامه أما بعد، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا.
- وقد نأخذ من التلويح بالسيف وهزّهِ يمنةً ويسرةً عند الحماس أو التهديد، مرة بعد مرة، معنًى بارزاً بين المعاني التي استخدمها الآلوسي هنا، وهو التأكيد في سياق النفي. ويدعم ما ذُكر رفعُ الإصبع في التشهد وغيره، وتحريك الإصبع واليد إذا أراد المتحدث تأكيد النفي عند الكلام بشكلٍ عامّ، وفي الخطب بشكل خاص.
¥