تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصاح العامّة الفصاح في العاميّة الجزائريّة - هشام النحاس

ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[18 - 07 - 08, 01:59 م]ـ

التمهيد:

على مطاوي الطريق المتوجه بنا نحو هدف الوحدة اللسانية والفكرية للعرب كافة، لا مناص لنا من أن نحاول التدقيق فيما يسقط من العبارات الدارجة على ألسنة العامة، والتي لابد لها من أن تتراجع أمام الثقافة وتسقط حين تطغى عليها الفصحى التي هي لغة العلم والحضارة والفكر، والفصحى هي المفهومة والدارجة بين المثقفين العرب جميعاً، وذلك على نقيض العاميات ذوات الفروع المتخالفة التي لا تتفق إلا في افتقارها إلى لغة العلوم والثقافات ولذلك فهي آيلة إلى السقوط أمام انتشار فتوحات المعرفة ..

ولكن علينا أن نتجنب إسقاط ما أصله من الفصيح من هذه العاميات بتأثير المتعالمين المتعاظمين على الجماهير الذين قد يغيب عن بالهم أن أبعد الألسنة العامية عن اللغة الأم ما هو إلا فرع من دوحتها أغفلته يد التشذيب والتهذيب. وأن فصاح العامة أحق بالاهتمام والأقربون أولى بالمعروف، والمأنوس من العبارات أحق بالرعاية من غرائبها. فالتسهيل والإيضاح واجب اللغويين والمربين والإعلاميين والأدباء المثقفين لتكون الثقافة في خدمة المجتمع، وكذلك من أجل أن نسير على طريق الشفاء من شكوى كتاب الفنون القصصية والمسرحية من افتقادهم لغة الحوار المناسبة والمفهومة، بسبب هذه الازدواجية اللغوية التي تقسم لغة الشخصية الواحدة بين حديث المشافهة الدارجة وبين أسلوب الكتابة، فنحن نقول ما لا نكتب، ففصيح العامي هو الجسر والصراط الصالح لعبور العاميات إلى رحاب الفصاحة والثقافة والعلم ... ولكي أشير إلى أن المضيع والمجهول من بقايا الفصاح في العاميات الدارجة ليس نزراً يسيراً، وليس كمية قليلة يصح إهمالها فلا يؤبه لها كما قد يُظن، وإنما الأمر على النقيض .. فلآخذ مثالاً من أكثر الألسنة العامية الدارجة تعرضاً للغزو والتغريب والتعجيم والتشويه ومحاولة المحو هو مثال العامية الدارجة في القطر الجزائري الشقيق الذي حرمت عليه لغته الأم طيلة قرن وثلث القرن تحريماً جعل أدباءه الكبار من أمثال مالك حداد وغيره يعلنون أنهم أسرى للسان الأجنبي المفروض عليهم منذ طفولتهم قسراً وإكراهاً.

على أني مقر بالتقصير سلفاً، فمعرفتي اللهجة الدارجة الجزائرية معرفة ضئيلة محكومة بظروفي الخاصة، ولست أزعم أني أقوم بتجميع فصاح العامية الجزائرية، أو فصاح العاميات الأخرى، ولكني أثير الموضوع وأنوه به وأطمح إلى فتح الأبواب أمامه، وأبدأ بالتذكير بأن جمع جزيرة على (جزائر) أفصح من جمعها على (جزر) لأن جزر خطأ شائع في رأي جمهور من العلماء واللغويين.

فلأعرض هذه المحاور من فصاح العامة في الجزائر، ثم يكون التدقيق والتأمل في بعض من عباراتها التي تحتاج إلى بحث لغوي:

المحاورة:

في سوق الخضراوات في مدينة جزائرية يدور الحوار التالي بين البائع وبين بعض الغلمان وهم يتحدثون عن (السومة) (1) ويمدون أيديهم إلى السلع ويسألونه: -كاين عندك الخوخ (2) وحب الملوك (3) والتفاح؟ وعين البقرة؟ آه ... هذا هناك الدلاّع (4)، والعنب ما زال الحال (5) عليه، وما زال بالطعم القارس (6)، وقيل (7) بكري على العنب، لو كنا نبغي القارس فذاك الليم (8) هناك .. وهذا القرع (9) مليح للطياب (10)؟ ماذا؟ وإلا .. هذا الحرشف (11) خير منه؟ وهذا الخردل حار؟ وايش (12) حال سومته؟. آه نراك تخزر (13) فينا أما تبغينا نتوقف عندك؟ (14) ونخيِّر بين السلع والحوائج ونشتري منها؟.

-نحِّ يدك. نحَّوا أيديكم .. تبغون تفسدون وتستسخرون (15)؟. وإلا تبغون تغشمرون (16) ... لا .. لا .. ما هو هنا هكذا. هيا روحوا هذا الحين وبالسلامة وبالأمان والضمان .. وغدوة إن شاء الله حين ترحلون إلى بلاد الغُنَّة (17) .. إلى بلاد فرنسة .. هناك ريِّحوا وتغشمروا وحوِّسوا (18) كيف ما تبغون .. والله غالب (19) .. وربِّي ينوب. هيا بالسلامة يا ذراري، وبالأمان والضمان يا وليدي. –أراك الغالط (20) حين تتغشش (21) منا يا شيخ، وقيل (7) تظننا نأخذ السلع والحوائج بلا شيء؟ لا .. ورأسك! نحن نخلِّص (22) ونعطي كل ما علينا من الحق. خيار، لكنّا نبغي الخيرة (14). ويلزم علينا نخيّر .. وبالصّح ما نأخذ حتى شيء من غير خيار، ونحن نخدم عن والدينا .. يرحم والديك .. ونقضي الحوائج كما يبغي منا أهلنا وموالينا ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير