تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن " البذاء " المراد في هذا الحديث خلاف البذاء المراد في الحديث الأول، وهو البذاء على مَن لا يستحق أن يُبذأ عليه، فمن كان منه ذلك البذاء: فهو من أهل الوعيد الذي في الحديث المذكور ذلك البذاء فيه، وأما المذكور في الحديث الأول: فإنما هو عقوبة لمن كانت منه دعوى الجاهلية؛ لأنه يدعو برجل من أهل النار، وهو كما كانوا يقولون: " يا لبكر، يا لتميم، يا لهمدان "، فمن فمن دعا كذلك من هؤلاء الجاهلية الذين من أهل النار: كان مستحقّاً للعقوبة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوبته أن يقابل بما في الحديث الثاني؛ ليكون ذلك استخفافاً به، وبالذي دعا إليه، ولينتهي الناس عن ذلك في المستأنف، فلا يعودون إليه.

وقد روي هذا الحديث بغير هذا اللفظ، فعن عُتيّ بن ضمرة قال: شهدتُه يوماً - يعني: أبي بن كعب، وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّه بكذا أبيه، ولم يكنه، فكأن القوم استنكروا ذلك منه، فقال: لا تلوموني فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (من رأيتموه تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه، ولا تكنوا).

ومعناه: معنى الحديث الذي قبله؛ لأن معنى (من تعزى بعزاء الجاهلية): إنما هو مِن عزاء نفسه إلى أهل الجاهلية، أي: إضافتها إليهم.

" بيان مشكل الآثار " (8/ 51 – 54) باختصار وتهذيب.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

ولهذا قال من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة، والمصلحة، وليس من الفحش المنهي عنه، كما في حديث أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا) رواه أحمد، فسمع أبي بن كعب رجلاً يقول: يا فلان، فقال: اعضض أير أبيك، فقيل له في ذلك فقال: بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

" منهاج السنة النبوية " (8/ 408، 409).

وقال ابن القيم – رحمه الله – عند التعليق على حديث أبي داود: أن رجلاً عَطَسَ عند النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ! فَقَالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَعَلَيْكَ السَّلامُ وعَلَى أُمِّكَ) -:

ونظيرُ ذِكر الأُم هاهنا: ذكرُ " هَنِ " الأب لمن تعزَّى بعزاءِ الجاهلية، فيقال له: اعضُضْ هَنَ أَبِيكَ، وكَانَ ذِكرُ " هَنِ " الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبِّرِ بدعوى الجاهلية بالعُضو الذى خَرَجَ منه، وهو " هَنُ " أبيه، فَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أن يتعدَّى طَوْرَهُ، كما أن ذِكرَ الأُم هاهنا أحسنُ تذكيراً له، بأنه باقٍ على أُمِّيته، والله أعلم بمراد رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

" زاد المعاد في هدي خير العباد " (2/ 438).

خامساً:

قد عمل كبار الصحابة بهذه الوصية، ورأوا ذلك عقوبة وقعت على مستحقها، ولم يروا ذلك مستقبحاً في شيء؟! وقد سبق ذِكر قول أبي بن كعب راوي الحديث لها، وقد قالها – أيضاً – أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، فقد قال عروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في " الحديبية " للنبي صلى الله عليه وسلم: " فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ "، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ "، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ.

رواه البخاري (2581).

قال ابن حجر – رحمه الله -:

و " البَظْر ": بفتح الموحدة، وسكون المعجمة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة.

و" اللات ": اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمَله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار.

وفيه: جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك، وقال ابن المنيِّر: في قول أبي بكر تخسيس للعدو، وتكذيبهم، وتعريض بإلزامهم من قولهم " إن اللات بنت الله! " تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، بأنها لو كانت بنتاً: لكان لها ما يكون للإناث.

" فتح الباري " (5/ 340).

وقال ابن القيم – رحمه الله -:

وفى قول الصِّدِّيق لعروة: " امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ ": دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة، إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه، ويقال له: " اعضُضْ أيْرَ أبيك "، ولا يُكْنَى له، فلكل مقام مقال.

" زاد المعاد في هدي خير العباد " (3/ 305).

والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب)) ا. هـ

أعجبني قوله سلمه الله:

12 - أبينا أن نطيعكم فنردى ** ونلقى مثل ما لقي النصارى

13 - ومن تك بنته هانت عليه ** فإنا نحن أجدر أن نغارا

اللهم اشف صدور القوم المؤمنين وأذهب غيظ قلوبهم بنصر دينك وأوليائك يا قوي يا عزيز

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير