تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويجمع الإمام السخاوي ماقاله العلماء عن فضل المدينة المنورة فيقول:

(( ..... وأفضليتها على مكة، وقد ذهب لكل من القولين جماعة ()، مع الإجماع على أفضلية البقعة التي ضمته r، حتى على الكعبة المفضلة على أصل المدينة ()، بل على العرش، فيما صرّح به ابن عقيل من الحنابلة ().

ولا شك أن مواضع الأنبياء وأرواحهم أشرف مما سواها من الأرض والسماء، والقبر الشريف أفضلها، لما تتنزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة، التي لا يعلمها إلا مانحها، ولساكنه عند الله من المحبة والاصطفاء ما تقصر العقول عن إدراكه. ويعم الفيض من ذلك على الأمة، سيما من قصده وأمه، مع العلم بدفن كل أحد في الموضع الذي خلق فيه كما ثبت في مستدرك الحاكم مما له شواهد صحيحة (). و (لايقبض الله سبحانه روح نبيه إلا في مكان طيب، أحب إلى الله ورسوله) ().

ولما أمر الإمام مالك المهدي حين قدومه بالسلام على أولاد المهاجرين والأنصار قائلاً له: ما على وجه الأرض قوم خير من أهلها، ولا منها. سأله عن ذلك؟ فقال: لأنه لا يعرف قبر نبي اليوم على وجه الأرض غير قبر نبينا محمد r . ومن كان قبره عندهم فينبغي أن يعرف فضلهم على غيرهم. فامتثل أمره. () ومن الأدلة: قوله r : " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد" (). ودعاؤه r بضعفي ما بمكة من البركة ().

وأما: "اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إليّ، فاسكني في أحب البقاع إليك" (). فضعفه ابن عبد البر. () باحتمال كونه صدر ابتداء قبل ما تجدد له من فضائلها التي ماعاد على مكة بفتحها (). هذا مع العلم بأن محبة الرسول r تابعة لمحبة الله تعالى، وما ورد من مضاعفة الصلاة بمسجد مكة زيادة عليها بالمدينة (). فأسباب الفضل غير منحصرة فيه ()، سيما وكل عمل في المدينة – كما في الإحياء لحجة الإسلام – بألف كالصلاة ()، بل في المطلب لابن الرفعة: ذهب بعض العلماء إلى أن الصيام بالمدينة أفضل من الصلاة، والصلاة بمكة أفضل من الصيام، مراعاة لنزول فرضهما. ()

وعلى هذا فيما ظهر: فكل عبادة شرعت بالمدينة أفضل منها بمكة، على غير ذلك من الاتفاق على منع دخول الدجال والطاعون لها، وكون الوارد في منعها من مكة أيضاً لايقاومه ()، وعلى: (من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعاً أو شهيداً) ()، وإيراد البخاري لحديث: (لا يكيد أهلها أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء) ()، وفي لفظ لمسلم: (لايريد أحد أهلها بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص– أو ذوب الملح – في الماء) () فصار من المتفق عليه أيضاً.

وماورد في الترغيب في سكناها ()، والموت بها ()، مما لم يثبت في الموت بغيرها مثله. والسكنى بها وصلة له إن شاء الله ().

وللمجاورة الثابت فيها: قوله r : ( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ().

والاستشفاء بترابها ()، وثمرتها ()، وما قارب مائة مما لا حصر له فيه.

ولا شك في أن الفضائل الخاصة: لا تحدث في الأمور العامة على تقدير وجودها في الجهتين. وبالجملة: فرأيي الوقف لاسترسال الخوض في عدمه، لما لايليق بجلالتهما، كما علمته من مقامة الزرندي في المفاضلة. وهما اتفاقاً أفضل من سائر البلاد ويليهما بيت المقدس ().

وما أحسن ماقاله صاحب الشفاء () ـــ بعد أن حكى عن بعضهم أنه حج ماشياً. فقيل له في ذلك فقال: العبد الآبق يأتي إلى بيت مولاه راكباً!!؟ لو قدرت أن أمشي على رأسي مامشيت على قدمي ـــ ما نصه: وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل، وتردد بها جبريل وميكائيل، وعرجت منها الملائكة والروح، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله r ما انتشر، مدارس آيات، ومساجد وصلوات، ومشاهد الفضائل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات، ومناسك الدين، ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين، ومتبوأ خاتم النبيين، حيث انفجرت النبوة، وفاض عبابها، ومواطن مهبط الرسالة، وأول أرض مس جلد المصطفى ترابها؛ أن تعظم عرصتها ()، وتتنسم نفحاتها ()، وتقبل ربوعها ()، وجدرانها ().

هُدِيَ الأنامُ وخُصَّ بالآيات .. يا دارَ خيرِ المرسلين ومَن به ...

وتشوقٌ متوقدُ الجمرات () .. عندي لأجلِك لوعةٌ وصبابةٌ ..

من تلكمُ الجدراتِ والعرصاتِ () ... وعليَّ عهدٌ إن ملأتُ محاجري ..

من كثرة التقبيلِ والرشفات () ... لأُعفْرنَّ مصونَ شيبي بينها ...

أبداً ولو سحباً على الوجنات () لولا العوادي والأعادي زرتُها ..

لقَطينِ تلكَ الدارِ والحُجرات () ... لكنْ سأهدي في حفيلِ تحيتي ..

تغشاهُ بالآصالِ والبكراتِ () ... أزكى من المسك المفتَّق نفحةً ..

وأنشد غيره ():

قمرٌ تَقَطَّعُ دونَه الأوهامُ ُرفِعَ الحجابُ لنا فلاحَ لناظرٍ

فظهورهُن على الرِّجال حرامُ () وإذا المطيُّ بنا بلغْنَ محمداً

فلها علينا حُرمةٌ وذِمام () قربْننا من خيرِ من وطئَ الثَّرى

وهاجر r بأمر ربه عز وجل إليها ()، ونزل بقباء، وأسس المسجد ()، ثم ركب إلى المدينة، ونزل بدار أبي أيوب () كما قدمت هذا كله في الفصل قبله.

وبالجملة: فكل طرق المدينة وفجاجها ودورها وما حولها: قد شملته البركة النبوية، فإنهم كانوا يتبركون بدخوله r منازلهم ويدعونه إليها، وإلى الصلاة في بيوتهم ()، وشهود جنائزهم ()، ولهذا امتنع مالك من ركوب دابة فيها، قائلاً "لا أطأ بحافر دابة في عراص كان r يمشي فيها بقدميه الشريفتين" ()، ثم أصحابه الخلفاء الراشدون، والصحابة البررة الكرام، رضي الله عنهم أجمعين.

ويحرم – كما للأربعة ()، إلا أبا حنيفة () - صيد حرمها، واصطياده وقطع شجره. اهـ.

وخدمة لتراث المدينة المنورة، وجمعه وتحقيقه ونشره على طلاب العلم؛ يقوم حالياً مركز بحوث ودراسات المدينة بتحقيق ودراسة كتاب (التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة) للإمام السخاوي، وذلك بسبب الاضطراب الموجود في النسخ المطبوعة من غير تحقيق، وعدم وجود التوثيق في الطبعات السابقة للكتاب، وهي المرة الأولى التي يحقق فيها هذاالكتاب ....

الموضوع بالحواشي تجده في المرفقات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير