في نهاية القرن 15, أصبح ابنه محمود يحمل لقب كاتي المحرّف من الاسم العائلي "القوطي". و نجح في نيل ثقة أسقية محمد, الحاكم الجديد للمنطقة و المنحدر من قبيلة سونينكي, و هو قائد سابق في جيش سنغاي, و في عهده بلغت الإمبراطورية أقصى امتداداتها حتى أضحت تنافس سلاطين المغرب. خلال سنوات المجد التي عاشتها مملكة أسقية, كان على محمود كاتي الانتقال إلى تمبكتو رفقة رجال آخرين عُرفوا بالعلم, اختارهم أسقية لتشكيل هيئة قضائية في هذه المدينة الصحراوية. و يُعتقد أنه تزوّج فيها بابنة أسقية, و بها أيضا بدأ نشاطه في الأدب, القضاء, التنجيم و التاريخ, حيث ألّف كتاب (تاريخ الفتاش) جمع فيه تفاصيل رحلاته بأفريقيا جنوب الصحراء.
ورث كاتي عن أبيه حب الكتب و أمعن في اقتنائها مثريا بذلك المكتبة العائلية التي تضم كتبا في الطب, الجغرافيا, التاريخ و باللغتين العربية و العبرية, إضافة لنصوص حول الحياة اليومية "للعلوج". خلال سنوات المجد هاته, تحولت تمبكتو إلى أكبر مدينة بنهر النيجر, وأضحت مقصد القوافل الرابطة بين الصحراء و البحر المتوسط, و مزارا للتجار و الرحّالة المسلمين و بعض الأوربيين. أحد هؤلاء الرحالة هو الغرناطي الحسن الوزان, المشهور باسمه الأعجمي Leon El Africano ليون الأفريقي, و قد ذكره كاتي في تاريخه.
http://www.un.org/special-rep/ohrlls/ldc/LDCs-List/mali.gif
خريطة لمالي
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/f/f1/Sankore_Mosque_in_Timbuktu.jpg/800px-Sankore_Mosque_in_Timbuktu.jpg
(http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/f/f1/Sankore_Mosque_in_Timbuktu.jpg/800px-Sankore_Mosque_in_Timbuktu.jpg)
تمبكتو
هكذا أضحت تمبكتو مكانا أسطوريا, شكّلته قبائل الطوارق و تجار شمال إفريقيا, وقام الحكام المتوالون على حكمها بتوسعتها. و قد كان للأندلسيين يد في هذا التوسيع: فأقدم مسجد بالمدينة, و المعروف بالجامع الكبير Djinguereiber , تمّ إنشاءه سنة 1325م, بواسطة المهندس الغرناطي إسحاق الساحلي بطلب من الإمبراطور موسى كانكان. الطراز الفريد لهذا المسجد شكّل مثالا لمساجد مالي, أهمها مسجد جيني. الحسن الوزان (ليون الأفريقي) ذكر وجود قصر بناه نفس المهندس الأندلسي, لكن لا أثر له اليوم. و حسب ابن بطوطة, الرحالة المغربي الشهير الذي طاف حول العالم الإسلامي في القرن 14, فإن الغرناطي ابن إسحاق الساحلي ذُفن في تمبكتو, و قد رأى قبره بعينيه.
http://www.viajesyviajeros.com/djinguereiber2.jpg
(http://www.viajesyviajeros.com/djinguereiber2.jpg)
http://www.webislam.com/media/image/noticia/2006/05/djinguereiber1.jpg
الجامع الكبير Djinguereiber بتمبكتو
و تبقى الثروة الكبرى التي خلّفها الأندلسيون متمثلة في العدد الكبير من العلماء في شتى العلوم و الذين أذاعوا صيت هذه المدينة و أدخلوها ميدان العلوم من أوسع أبوابه. لقد انتعشت تجارة الكتب و ازدهرت و شارك فيها دون شك محمود كاتي, لأن مجموعته من الكتب المحفوظة تحوي أعدادا كثيرة.
استمرّ التواجد المهم للأندلسيين بعاصمة الصحراء طيلة سنوات, خاصة في نهاية القرن 16, لمّا استولى الجيش المغربي بقيادة الأندلسي الألميري جودر باشا على شمال إمبراطورية سنغاي, منتزعا مدينتا غاو و تمبكتو من يد الملوك الأفارقة. فاضطرت عائلة كاتي للهجرة بعيدا عن مدينة العلماء إلى مكان يسمى تيندرما ( Tindirma): من هذا المكان بدأت الرحلة الطويلة لمكتبة العائلة المتوارثة.
مع وصوا آل بمبرا إلى السلطة, تعمّقت تعاسة الأندلسيين بأراضي النيجر, و اضطر آل كاتي إلى مغادرة مدنهم و وظائفهم التقليدية (كقضاة و محامين) و الاشتغال بالفلاحة, موزّعين في كلّ أنحاء النيجر. و قد حمل كل فرع من العائلة جزءا من المكتبة كوسيلة لحفظها من التدمير على يد أعداء العائلة. هكذا ضاعت بعض الوثائق, و نجا البعض الآخر, لكن الاضطهاد الذي تعرّضت له العائلة في نهاية القرن 18 جعل مصير المكتبة في حكم المجهول.
¥