وقد كان: (أورانك زيب) مع كونه ملكا عظيما: فقد كان عالما حنفيا جليلا ذا قدم راسخة في أصول مذهب الأحناف، وبأمره أُلِّف كتاب: ("الفتاوى الهندية") ذلك الكتاب المشهور بين أهل العلم قاطبة، وقد نُسب إليه بعد ذلك: فقيل عنه: (الفتاوى العالمكيرية) يعني نسبة: إلى عالم كير، وهو لقب السلطان: (أورانك زيب) كما مضى.
وقد كان شاعرا فصحيا أيضا، مع المعرفة الواسعة بفنون الأدب والشريعة.
طرفا من شمائله وأخلاقه وعدله:
قال عنه المرادي في ترجمته من كتابه: «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر»
: (سلطان الهند في عصرنا، وأمير المؤمنين وإمامهم،وركن المسلمين ونظامهم، المجاهد في سبيل الله، العالم العلامة الصوفي العارف بالله، الملك القائم بنصرة الدين، الذي أباد الكفار في أرضه، وقهرهم وهدم كنائسهم، وأضعف شركهم، وأيد الاسلام وأعلى في الهند مناره، وجعل كلمة الله هي العليا، وقام بنصرة الدين وأخذ الجزية من كفار الهند،ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم! وفتح الفتوحات العظيمة، ولم يزل يغزوهم، وكلما قصد بلداً سلكها، إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد، وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه! وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،وكان موزعاً لأوقاته: فوقت للعبادة،ووقت للتدريس، ووقت لمصالح العسكر، ووقت للشكاة، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته، لا يخلط شيئاً بشيء! والحاصل إنه كان حسنة من حسنات الزمان، ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مُدانِ، وقد ألُِّفتْ في سلطنته وحسن سيرته: الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها ..... )
ثم قال: (واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف، وأراد الله بأهل الهند خيراً؛فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره، وظهر من البرج التيموري بدره،وفلك مجده دائر، ونجم سعده سائر، وأسر غالب ملوك الهند المشهورين، وصارت بلادهم تحت طاعته، وجُبِيَتْت إليه الأموال، وأطاعته البلاد والعباد، ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد، ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه، وكلما فتح بلاد أشرع في فتح أخرى، وعساكره لا يحصون كثرة، وعظمة وقوته لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها! والملك لله وحده، وأقام في الهند: دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد، والحاصل: أنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة .... ).
وقال عنه المحبي في: «خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر»
:
(وأورنك زيب: ممن يوصف:بـ الملك العادل الزاهد،وبلغ من الزهد مبلغا أناف فيه على ابن أدهم [يعني: إبراهيم بن أدهم الزاهد المشهور]!
فإنه مع سعة سلطانه: يأكل فى شهر رمضان رغيفا من خبز الشعير من كسب يمينه! ويصلى بالناس التراويح، وله نعم بارَّة، وخيرات دارَّة جدا، وأمر من حين ولى السلطنة: بـ: رفع المكوس والمظالم عن المسلمين، ونصب الجزية بعد أن لم تكن على الكفار، وتم له ذلك مع أنه لم يتم لأحد من أسلافه: أخْذُ الجزية منهم؛ لكثرتهم وتغلبهم على إقليم الهند، وأقام فيها: دولة العلم، وبالغ فى تعظيم أهله وعظمت شوكته،وفتح الفتوحات العظيمة، وهو مع كثرة أعدائه وقوتهم غير مبال بهم، مشتغل بالعبادات، وليس له فى عصره من الملوك نظير فى حسن السيرة والخوف من الله تعالى والقيام بنصرة الدين رحمه الله تعالى ..... )
وقال عنه العلامة الأديب الشيخ علي طنطاوي في كتابه: «رجال من التاريخ»:
(ووفِّق إلى أمرين لم يسبقه إليهما أحد من ملوك المسلمين: -
الأول: أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلا حق وكتمان العلم!!
الثانى: أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على المذهب الحنفى ..... )
¥