تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن ريبيرا فى موعظته يتحدث عن الطرد كإجراء يتصف بالرحمة إذا ما قورن بإجراءات أخرى كان يمكن اتخاذها، وراح ريبيرا يضرب أمثلة من الكتاب المقدس تقول إن الأنبياء قد اضطروا فى بعض الأوقات إلى اتخاذ إجراءات عنيفة، لكنها كانت أخف الأضرار، وقال إن هذا بالضبط ما فعله الملك فيليبى الثالث.

تحول ريبيرا من رجل دين إلى رجل سياسة محض، وحكم على الأمور من هذه الوجهة فقط. لقد حصر نفسه فى مجرد منفّذ للأوامر الملكية.

ثم ندم البطريرك على ما فعل، وأصيب بحزن لازمه حتى وفاته، وهو أمر حاول الذين كتبوا سيرته أن يدفنوه معه.

والكتاب الذى نقدم له يورد النص الكامل لتلك الموعظة الشهيرة التى ألقاها البطريرك فى كاتدرائية فالنسيا والتى أعاد فرانثيسكو بيانويبا قراءتها لكى يستخرج منها ما لم يستخرجه غيره من الباحثين، إما لعجز فى الإدراك، وإما لرغبة فى طمس الحقيقة.

يتضمن الكتاب أيضا _وإن كان بشكل عابر- موضوعين أثارا اهتمامنا ورأينا أن نعلق على ما قاله المؤلف بشأنهما: تعاون اليهود مع الموريسكيين، وموقف المؤرخين العرب مما حل بمسلمى الأندلس.

يربط المؤلف بين طرد الموريسكيين ومحرقة اليهود، على أساس أن كلا العملين أساسهما التعصب ضد دين مخالف. والربط بين الموريسكيين واليهود اتجاه جديد فى الدراسات الموريسكية.

يقول بيانويبا إن المسيحيين الجدد من أصل يهودى كانوا على استعداد للدفاع عن الموريسكيين بالسلاح، وإن اليهود كانوا يريدون أن تكون قيمة الإنسان مبنية على عمله لا على أصله، وأنهم – أى اليهود- كانوا سيستفيدون من الوضع لو تم إقراره. هكذا يحاول بيانويبا تأصيل فكرة أن الأدب المتعاطف مع المسلم كان يهودى المنبع وأن اليهود فعلوا ذلك بدافع من مصلحتهم الشخصية، فلو تم الاعتراف بالحرية الدينية والاختلاف الثقافى لتحسن وضع اليهود أنفسهم. يقول كذلك إن رواية ابن سراج قد تمت صياغتها بدقة بحيث تصلح للدفاع عن المسلم وللدفاع عن اليهود المتضررين أيضا.

ولنا هنا ملاحظتان:

1 - إن التعاطف بين المسلمين واليهود كأقليتين مضطهدتين أمر تدعمه وثائق كثيرة، غير أن الأقليتين كانت بينهما مساجلات عقائدية محفوظة فى مخطوطات عديدة. لا نرى كذلك أن اليهود وصل بهم الأمر إلى الدفاع عن المسلمين "باستخدام السلاح" لسبب بسيط هو أن السلاح لم يكن يحمله إلا المسيحيون القدامى. إن دفاع المسيحيين من أصل يهودى عن الموريسكيين بالسلاح أمر لم يقل به أحد على حد علمنا. على أننا لا نستبعد قيام اليهود المتخفين بالتعاون مع المسلمين المتخفين فى سبيل تحقيق مصالح للطرفين كأقليتين مضطهدتين.

2 - إن التعاون بين الأقليتين المضطهدتين وكتابة أدب يصلح للدفاع عن الأقليتين لا يعنى بالضرورة أن يكون مؤلف هذا النوع من الأعمال الأدبية يهوديا. وبالفعل فإن بعض النقاد يرى أن مؤلف رواية ابن سراج مسلم.

الموضوع الثانى الذى استوقفنا هو أن المؤلف يشير إلى تحيز الساسة الإسبان ومفكرى القرن السادس عشر ضد الموريسكيين، لكنه يشير أيضا إلى تحيز الباحثين المسلمين، فهم يتحدثون عن اضطهاد الموريسكيين فى إسبانيا فقط، ويغضون الطرف عما حل بالموريسكيين من كوارث على يد إخوانهم المسلمين. وليس بوسعنا هنا سوى أن نقر بصحة هذه الملاحظة، فقد انحصرت الدراسات العربية – على ندرتها- فى مناقشة الظلم الذى تعرض له مسلمو الأندلس فى إسبانيا ولم يتحدثوا عن الصعوبات التى تعرضوا لها من قبل إخوانهم فى الدين. على أننا لا يمكن أن نساوى بين الموقفين، لا من حيث الكم، ولا من حيث الأسباب والدوافع، فعمليات النهب التى تعرض لها الموريسكيون فى بلادنا لم تكن على مستوى واسع، ولم يكن تجاهل تلك الحوادث من قبل المؤرخين العرب والمسلمين " سياسة دولة".

الكتاب يمثل دون شك إضافة قيمة إلى الدراسات الموريسكية، وإن كان لا يقدم وثائق جديدة. استطاع المؤلف أن يعيد قراءة الوثائق ويقدم –من خلال قراءته الجديدة- وجهة نظر أخرى جديرة بالتأمل.

يبقى فى النهاية أن نقدم جزيل شكرنا للمؤلف على تعاونه معنا فى سبيل إخراج هذه الدراسة القيمة فى لغة الضاد، سواء بالموافقة على الترجمة والنشر أو بالرد على تساؤلاتنا حول عبارات تعذر علينا فهمها ونحسب أننا نترك بين يدى القارئ العربى كتابا جديدا فى مضمونه.

والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

جمال عبد الرحمن

القاهرة فى مارس 2005

Notas

(1) الموريسكى هو المسلم الذى بقى فى غرناطة ولم يغادرها بعد استيلاء المسيحيين الإسبان عليها، وعندما أجبرته السلطات الرسمية على التعميد لم يكن مسيحيا إلا فى الظاهر فقط وظل يؤدى شعائر الإسلام سرا.

2 - انظر كتابه "مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492"، ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن، المشروع القومى للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة.

3 - تعرضنا فى رسالة الدكتوراه لكتابات بيلايو حول الإسلام وأشرنا إلى افتقارها إلى المراجع وإلى الموضوعية. أنظر

Gamal Abdel Rahman: La cultura literaria de R. Perez de Ayala, Universidad Complutense de Madrid, 1989

انظر مقالنا باللغة العربية حول هذه الرسالة فى المجلة التاريخية المغاربية، تونس، العدد 61 - 62 (يولية 1991)، ص 157 - 162.

4 - لم يكن برونات هو الوحيد الذى يكره الإسلام. لاحظ أن سيمونيت كان متعصبا وقد أدى تعصبه إلى أخطاء عديدة. انظر "المستعربون الإسبان فى القرن التاسع عشر" ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن،، المشروع القومى للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة.

5 - غريب أن يكون رأى كانوباس ديل كاستيو على هذا النحو، مع أن عمه وأستاذه سيرافين كالديرون كان أحد المتعاطفين مع الشعب الموريسكى، بل إن سابيدرا وكانوباس كانا يلتقيان كثيرا فى بيت سيرافين، وكان الحديث يدور حول الأدب الموريسكى. هذه المعلومة نفسها أوردها كانوباس فى خطاب الرد على سابيدرا

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير