- وقال ابن سعيد المغربي (ت 685) ـ عن بحيرة البرلس ـ: " وليس في بحيرات الديار المصرية أكثر إيراداً منها، فقد بلغ في عصرنا خمسة وعشرين ألف دينار مصرية، وسائر البحيرات المصرية تضمن سبعين ألف دينار. وفي شرقيها رباط البرلس" [9].
وقال السمعاني عن البرلس:" بها بطيخ ليس في ديار مصر مثله" [10].
وقد ذكر المقريزي أن البرلس أيام كانت تنعم بالعصر الإسلامي؛ كان بها عدد كبير من الحمامات مقارنة بمساحاتها الجغرافية، فقال:
"البرلس .. هي مدينة كثيرة الصيد في البحيرة، وبها حمامات عشر " [11]. وهو يدلك إلى مستوى العمران والحضارة والرفاهية التي أظلت البرلس أيام إسلامها.
بلد الصحابة والعلماء:
وعلى أثر الفتح الإسلامي لمصر؛ سكن عدد من الصحابة بالبرلس؛ منهم "وردان أبي عبيد مولى عمرو بن العاص"، وغانم بن عياض الأشعري، كما سيأتي في الفقرة التالية.
قال المرتضى الزبيدي: " ذكَرَ أَبو بَكر الهَرَوِيُّ أَنَّ بالبُرُلُّسِ، اثني عشر رَجلاً من الصَّحابةِ، لا تُعرَف أَسماؤُهم، وقد نُسِبَ إليها جماعةٌ من أَهل العِلْمِ، منهم: أَبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ سليمانَ بنِ داوودَ الكُوفِيُّ البُرُلُّسِيُّ الأَسَدِيُّ: حدَّث عن أَبي اليَمانِ الحَكَمِ بنِ نافِعٍ، وعنه أَبو جعفَرٍ الطَّحاوِيُّ، وكانَ حافِظاً ثِقَةً " [12].
وقال الصاغاني [13]: " بُرُلُّسُ - بالضمات الثلاث وتشديد اللام -: قرية من سواحل مصر يُنسَب إليها جماعة من أهل العِلم." [14]
فاتح البرلس:
على أثر الفتح الإسلامي فُتحت البرلس في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سنة؛ وكان فاتحها وقائدها وحاكمها هو الصحابي الجليل غانم بن عياض الأشعري ـ رضي الله عنه ـ حفيد أبي موسي الأشعري، ولقد أحبه أهل البرلس وبلطيم لسماحته وعدله وحسن ولايته، وظل يحكم فيهم بأحكام الإسلام حتى توفي بينهم ودفن في تراب البرلس، وضريحه معروف بقرية برج البرلس.
لم يُكره أحدًا من أهالي بلطيم والبرلس على الإسلام، وإنما دخلوا في الإسلام لتأثرهم بسماحة المسلمين، وللبون الشاسع الذي لاحظوه بين معاملة الرومان ومعاملة أهل الإسلام.
ومن أشعار غانم ـ رضي الله عنه ـ[15]:
إني إذا انتسب الفوارس أشعري. ... قرم همام في المعامع عنتري
بحماة أبطال الأعادي نزدري. ... وبراحتي من القواضب أبتري
يوم التلاطم للفوارس مسكر. ... وأحوم حومات الغزال الجؤذري
فلأقتلن فوارسًا وعوابسًا. ... وأذيقهم مني العذاب الأكبر
ومن أدعيته في بعض معاركه ـ ضد الرومان ـ:
" يا عظيم العظماء! أنزل علينا نصرك كما أنزلته علينا في مواطن كثيرة، وانصرنا على القوم الكافرين". قال واحد: "فأمنتْ جماعةُ من الأمراء على دعائه؛ فما كان غير بعيد حتى رأيتُ الرجالَ الكفارَ يتساقطون لا ندري بماذا يقتلون، فلما رأى الرومُ ذلك فروا إلى الباب، وتبعتهم المسلمون يقتلون ويأسرون " [16].
مولى عمرو بن العاص يموت مدافعًا عن البرلس:
وذلك أن الرومان استهدفوا البرلس بعد فتحها كمحاولة منهم لاستردادها والانطلاق منها عبر سواحل مصر لإخراج المسلمين، وكان ذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ.
وحدَث أن القواتَ الرومانية داهمت سواحلَ البرلس، فجاء الصريخ إلى الإسكندرية ـ وكان عليها علقمة بن يزيد القيطعي ـ أن الروم قد نزلوا البرلس فأغيثوها؛ فاستنفر علقمةُ الناسَ إليهم، فولى عليهم " وردان أبي عبيد مولى عمرو بن العاص" فنفر بهم حتى قدم البرلس بجيشه، فوجد الروم بها، فاقتتلوا قتالاً شديدًا فاستشهد وردان ومن معه، وعدد من الصحابة منهم: أبو رقية اللخمي ـ وكان على الخراج فاستشهد ـ وعائذ بن ثعلبة البلوى ـ وكان على الخيل فاستشهدـ[17].
وكان والي مصر في هذه الأثناء هو مسلمة بن مخلد، وتوفي مسلمة وهو والٍ عليها، لخمس بقين من رجب سنة اثنتين وستين. كانت ولايته عليها خمس عشرة سنة وأربعة أشهر. واستخلف عابس بن سعيد عليها [18].
ومكان هذه المعركة ـ على الأرجح ـ في موضع قرية "العنابرة" الآن، حيث بها عدد من القبور تنسب إلى جماعة من الصحابة.
نستروه (أو مستروه):
من معالم البرلس الإسلامية قرية نستروه، تلك التي كان يستهدفها الصليبيون؛ فيتصدى رجالها مجاهدين صامدين، منها الهجمة الصليبية على نستروه سنة 819هـ[19].
¥