ويرجع أبو عمر بعد فتح القدس إلى جبل قاسيون، ليكمل ما بدأه فترتفع فيه المدرسة تلو المدرسة، والمسجد بعد المسجد ‘ وتفتح الأسواق، ويبنى مارستان، ويطلق عليه ((الصالحية)).
ونستطيع أن نتخيل الشيخ أبا عمر –كما وصفه معاصره- وقد جلس في أكبر مساجد الصالحية مسجد الحنابلة (16)، صبح الوجه، كث اللحية، دائم الابتسام، نحيفاً، أبيض، أزرق العينين (17)، في حوالي الثمانين من عمره (18)، يسأله أحد الحاضرين بمهابة:
لم سمي هذا الجبل بالصالحية؟ فيرد عليه الشيخ بتواضعه المعروف، قال: الناس الصالحية لأننا نزلنا في مسجد أبي صالح، لا أننا صالحون .. و
لكن أبا شامة المؤرخ الدمشقي، المقدسي الأصل يقول: بهم سميت الصالحية لصلاحهم.
الهوامش:
* استقيت معظم مادة البحث مما أورده ابن طولون في مقدمة كتابه والقلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية، تحقيق الأستاذ محمد أحمد دهمان الطبعة الأولى، دمشق 1368هـ/1949م وللأستاذ دهمان رحمه الله مخطط للصالحية بذل فيه جهدا كبيرا، بيّن فيه المواقع الأثرية فيها.
(1) لم تكن الصالحية باتساع مدينة، ولكن كان فيها كل مرافقها، وحين زارها ابن بطوطة وصفها بأنها مدينة عظيمة، وهي من أوائل ما اتصل بدمشق من الضواحي مع مطلع القرن العشرين. انظر "رحلة ابن بطوطة" 1/ 114، ودمشق مطلع القرن العشرين:21 - 22.
(2) كانت بغداد معقل المذهب الحنبلي، ثم انتشر في بيت المقدس ما حوله في القرن الخامس الهجري على يد الشيخ عبد الواحد بن محمد الأنصاري. انظر "سير أعلام النبلاء" للذهبي:9/ 12.
(3) ولد الشيخ أحمد سنة (491هـ) وهي سنة سقوط أنطاكية بيد الصليبيين، وفي سنة (492هـ) تملكوا بيت المقدس، وأسسوا مملكتهم فيه. وقد هجروا أهله منه، فلجؤوا إلى بغداد مستنفرين مستغيثين، وكانت سياسة الصليبيين تهجير أهل المدن، الإبقاء على أهل القرى للعمل في الأرض.
انظر "العبر" للذهبي: 4/ 164، و"الكامل" لابن الأثير: 10/ 272،282 وما بعدها و"الأنس الجليل": 1/ 307، و"تاريخ الحروب الصليبية" لرنسيمان: 2/ 16 - 17، 373 - 374.
(4) ما ندري ما الذي دفع هذا الصليبي لإبلاغ الشيخ أحمد بخبر تدبير مقتله، أهو حبه له كما أورد ابن طولون أم التخلص منه بأيسر سبيل؟.
(5) "تاريخ الحروب الصليبية" لرنسيمان: 2/ 16 - 17.
(6) أبو صالح هو أحد الصوفية الحنابلة، كان يتعبد في هذا المسجد، فنسب إليه توفي سنة (320هـ) وقد درس هذا المسجد ولم يبق منه شيء. انظر "سير أعلام النبلاء": 15/ 84 - 85، "القلائد الجوهرية": 1/ 25.
(7) اللجاة: اسم للحرة السودء التي بأرض صلخد. "معجم البلدان": 5/ 13.
(8) حضرة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فنسب إليه، انظر قصة حضره في "تاريخ دمشق" لابن عساكر المجلد الثاني: 145، وما بعدها، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
(9) دفعت الصالحية ضريبة بعدها عن أسوار المدينة، حين هاجمها التتار سنة (699هـ/1299م) فقتلوا من أهلها قريبا من أربع مئة، وأسروا نحوا من أربعة آلاف أسير، ونهبوا مكاتبها، وقد حمى دمشق وقتئذ صمود قلعتها. انظر "البداية والنهاية" لابن كثير: 14/ 8، وما بعدها.
(10) الدير هو دار كبيرة، تحوي عددا كبيرا من الحجرات. انظر مقدمة (القلائد الجوهرية) للأستاذ محمد أحمد دهمان: 3.
(11) هو الأيام الفقيه إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 22/ 47 - 52، و"القلائد الجوهرية": 37.
(12) انظر "العبر" للذهبي: 4/ 164.
(13) انظر عن تاريخ هذه المدرسة كتاب (منادمة الأطلال ومسامرة الخيال) لابن بدران: 244 - 248، وهي الآن أطلال دراسة، نزلها بعض الفلسطينيين بعد نكبة عام 1948م.
(14) "ذيل الروضتين" لأبي شامة: 71، وما بعدها.
(15) "سير أعلام النبلاء": 22/ 9.
(16) شرع أبو عمر في بنائه سنة (598 هـ) وأنفق عليه رجل يسمى الشيخ أبو داوود، حتى بلغ البناء مقدار قامة، ثم نفذ ما عنده من مال، وبلغ ذلك الأمير مظفر الدين كوكبرري، صاحب إربل فأرسل له ثلاثة آلاف دينار لتتميم العمارة. والمنبر الذي أمر بصنعه الأمير مظفر الدين ما زال في المسجد حتى الآن. "البداية والنهاية" لابن كثير: 13/ 32، و"ثمار المقاصد في ذكر المساجد" ليو سف برعب الهادي، و"ذيله" لمحمد أسعد كلي: 209 - 201، و "وفيات الأعيان": 4/ 133 - 121.
(17) "ذيل الروضتين" 71، و"سير أعلام النبلاء": 22/ 9.
(18) توفي أبو عمر سنة (607هـ)، وله تسع وسبعون سنة، وكانت له جنازة مشهودة لم يختلف عنها أحد من الأمراء والقضاة والعلماء والأعيان وعامة الخلق، وقد حذر الجمع في ذلك اليوم مبشرين ألفا. انظر "ذيل الروضتين": 73، و"سير أعلام النبلاء":22/ 9.
ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[18 - 05 - 09, 01:32 ص]ـ
.................................................. ................
ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[18 - 05 - 09, 11:45 م]ـ
..................................
¥