ومن أهم النقاط التي يعرضها الباحث في دراسته هي عملية تفاعل الإسلام مع ديانات الصين القديمة مثل الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية والمانوية والمجوسية والمسيحية والنسطورية، وكيف أن الإسلام وازن بين ديانات الصين وهذبها وخلصها من إفراطها وتفريطها ليقدم نفسه ديناً يحمل كل مزايا الديانات السابقة وجمع بداخله لباب الكتب السماوية.
...
المساجد في الصين
وعلى الرغم من دخول الإسلام إلى الصين في القرن السابع الميلادي إلا أن الكتابات الخاصة بالمساجد لم تظهر إلا في القرن الحادي عشر والثاني عشر، ويرجع ذلك إلى أن المساجد التي بناها المسلمون الأوائل في الصين كانت متواضعة للغاية، كما أن المسلمين كانوا لا يكتبون أسماءهم على المساجد التي بنوها تجنباً للرياء، وقد سمى المسجد في الصين بأسماء مختلفة منها (تانغ) بمعنى قاعة التقديس، و (لى باي) بمعنى قاعة الصلاة، و (هوى هوى تانغ) بمعنى قاعة هوى هوى، و (لى باى سى) بمعنى المصلى، و (تشنغ تشى سى) بمعنى الصفاء والحق.
واستخدمت المساجد في نشر التعليم والمعارف الدينية وأسس هذا النوع من التعليم الشيخ ستو (1522 - 1597)، ومعالجة الأمور الحياتية للمسلمين، واستقبال الضيوف ومساعدة المحتاجين، وتسوية الخلافات بين المسلمين، واتخاذ بعض المساجد أماكن لممارسة الرياضة، وأيضاً استخدامها كمراكز إعداد للجيوش أيام الانتفاضات الإقطاعية.
...
الدور اللغوي
وعن علاقة اللغة العربية بالإسلام في الصين فيذكر البحث أنه كلما انتشر الإسلام في مكان ما في الصين انتشرت اللغة العربية معه، وأكد هذا الكلام الرحالة العربى ابن بطوطة عندما زار الصين ونزل مدناً كثيرة فرأى المسلمين يقومون بشعائرهم الدينية، كما تم العثور على أحجار في مدينة كانسو - وقد عرفها العرب باسم مدينة (الخنسا) وهي الآن مدينة هانغ تشو عليها كتابات باللغة العربية وقد وصل عدد هذه القطع الحجرية إلى حوالي مائة قطعة، كما ظهرت بعض الكتب الصينية التي ترجمت إلى اللغة العربية، ونظيرتها العربية التي نقلت إلى الصين في تبادل ثقافى معرفى شهدته البلاد وآمن به جميع العلماء والفلاسفة؛ لأنه السبب الحقيقى وراء نهضة الأمم، وإيماناً بقيادة اللغة العربية للنهضة في تلك الفترة.
...
مظاهر دينية
وحول موضوع الدراسة يقول الباحث إن اختيار تأثير الإسلام في الحياة الصينية خلال تلك الفترة كان نتيجة الطفرة التي شهدتها الصين وتزامن زيادة وفاعلية المسلمين خلالها، وبسرد الأحداث التاريخية وتتبع الأثر الإسلامي في الصين وجد أن فترة حكم أسرتي يوان ومينغ شهدت نهضة في الحياة الدينية وتحولت ديانات الصين القديمة من الخرافات والتشكك إلى ديانة اليقين وهى الديانة الإسلامية، وبعد عبادة أرواح الأسلاف وعبادة الطبيعة وما تشملها من كواكب وأفلاك ومخلوقات أصبحت شريحة ليست بالهينة تتجه نحو الخالق في إيمان منها بواحدانية مبدع ومسير هذا الكون.
كما برز على الساحة الدينية عدد من المساجد مثل (مسجد دينغشتو - مسجد سونغيانغ) في عهد أسرة يوان وازدادت بعد ذلك في فترة تولى أسرة مينغ الحكم، فشهدت عددا من المساجد الشهيرة أمثال (مسجد هواجيوية - مسجد دونغسنى في بكين - مسجد عيدكاه في كاشغر - المسجد الشمالي في بلدة تشانغتشون - الجامع الشرقى في مدينة جينينغ)، وابتدعت خلال تلك الفترة أيضا التعليم المسجدي وهو نوع من أنواع التربية الدينية على شكل كتاب ظهر في تاريخ الإسلام الصيني، وأطلق عليه هذا اللقب لأنه يمارس في حرم المسجد.
بجانب أن الصين القديمة تحولت في شعائرها الدينية - بالنسبة للطوائف غير الإسلامية - إلى شعائر قريبة الشبه بشعائر الديانة الإسلامية أمثال الجنائز والمناسيات الدينية المختلفة التي كانوا يحاولون تقليد المسلمين فيها، وكذلك الإهتمام بالأسرة لأنها النواة الأولى للمجتمع وأساس تكوين مجتمع قوي، حتى أن حكماء الصين قالوا قولهم الشهير (صلاح المجتمع من صلاح الأسرة)، واتسم النظام الأسري في أغلب بقاع الصين بسمات الإسلام من الاحترام لرب الأسرة واحترام أولى الأمر وبر الوالدين.
...
مساواة بالمرأة المسلمة
وبالنسبة لوضع المرأة الصينية خلال تلك الفترة وتأثير الإسلام في تحسين أوضاعها يؤكد الباحث أن المرأة الصينية قبل هبوط الإسلام إلى الأراضي الصينية كانت تعانى من الذل والهوان بسبب أنها تعيش في نظام قاس يحرمها من أبسط حقوقها وكان المجتمع يعاملها على أنها مصدر الخضوع والاستعباد؛ ولكن الإسلام نهى عن كل هذا وأصلح من شأنها ورد لها حقوقها الكاملة لأنها نصف المجتمع، فبدأت المرأة المسلمة في الصين تتميز بحقوق عن نظيراتها من الطوائف الأخرى، مما حدا بهن للمطالبة بالتساوي مع النساء المسلمات في الحقوق والواجبات، بل إن عادات ومراسم الزواج والطلاق عند الصينيين - سواء بالنسبة للمسلمين أو غير المسلمين - بدأت تأخذ الطابع الإسلامي، وغلب هذا الطابع أيضا على البيوت والطعام والشراب والملابس.
وأخيراً تم استنتاج أن الدين الإسلامي صبغ الحياة الدينية والاجتماعية في الصين القديمة ونتج عن ذلك تزايد في العلاقات مع بلاد العرب الساحلية في الخليج العربي والبحر الأحمر مثل (مكة - المدينة - ظفار - الأحساء - عدن) ومع البلاد التي تقع في شرق آسيا مثل (مصر - مقديشيو - براوة - الصومال) وجميعها بلاد تدين بالدين الإسلامي.
المصدر
http://www.al-jazirah.com/magazine/28032006/stad15.htm
¥