تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومجمل القول في هذا الإطار أنّ القصة القرآنية تهدف في المقام الأول إلى عرض معاناة أحد الأنبياء والخطوب التي مرّت به في حياته وكيف صبر هو عليها. فيوسف شخصية متنوعة في القرآن؛ فهو الطفل الغضّ والشاب اليافع وهو النبي الصابر والإداري المحنك. هذه التنويعات في الشخصية غير موجودة في السياق التوراتي؛ حيث اهتمت القصة التوراتية بذكر تفصيلي للأحداث وأسماء الشخوص مع جعل شخصية البطل الرئيسي على وتيرة واحدة غير متطورة على مدار القصة؛ حتى مع تطوّر سني عمره.

وأختم شأن يوسف في القرآن والتوراة بالقول إنه، ورغم كون القرآن لا يعنى بسرد التفاصيل الدقيقة للقصص الذي يرد فيه، إلا أننا نجد دقة متناهية في اختيار الألفاظ داخل قصة يوسف؛ حيث كان لقب حاكم مصر في القصة (الملك)؛ بينما وصفته التوراة بـ (الفرعون)، رغم كون هذا اللقب لم يكن قد ظهر إلا بعد عهد يوسف عليه السلام بسنوات طوال.

ـ حظيت قصة النبي يوسف عليه السلام باهتمام المفسرين المسلمين واليهود، فما هي استنتاجاتك في هذا الشأن؟

* من الواضح أنّ قصة يوسف الثرية بأحداثها جعلت المفسِّرين اليهود والمسلمين على حد سواء يتبارون في توضيح الجوانب المسكوت عنها في الرواية التوراتية والقصة القرآنية، حتى أنّ بعض التفاسير لقصة يوسف لا تخلو من طرافة وأحياناً تطرّف في التفسير. فعلى سبيل المثال من التفاسير اليهودية نجد مثلاً أنّ التفسير الكبير لسفر التكوين "بريشيت رَبّا" ومدراش تنحوما، وتفسير يَلقوت شِمعوني والمدراش الكبير "هامدراش هاجادول" وكتاب الاستقامة "سِفِر هاياشار"؛ احتوت على شرح دقيق لتفاصيل القصة مثل القيمة التي بيع بها يوسف، وكيف أنّ يوسف تعايش مع العقارب والثعابين في الجب. كما تروي لنا هذه التفاسير أنّ الملاك جبريل قد أجرى عملية خصاء لعزيز مصر "فوطيفار"، وكيف أنّ يوسف أوشك على الوقوع في الزلل لولا أن رأى وجه أبيه يعنفه فخرج المني من أطراف أصابعه. كما أنّ يوسف تعرّض لاختبار عسير، هو التحدث بسبعين لساناً، من قبل مستشاري "فرعون" قبل أن يعيِّنه مستشاراً له.

ومن عجب أنّ التفاسير اليهودية تشير إلى أنّ يعقوب قبل دخوله أرض مصر أوفد ابنه يهودا سابقاً له ليؤسس مدرسة للتوراة في مصر، وما أن حلّ يعقوب وبنوه ببلاد النيل حتى بارك فرعون وبيته. وختام ذكر يوسف في التفاسير اليهودية يكون عند تمكّن موسى عليه السلام من التقاط تابوت يوسف الذي دُفن في النيل ليأخذه معه لدى الخروج من مصر حسب وصية يوسف نفسه.

وما من شك أنّ هذه التفاسير لا تخلو من نظرة انتقائية تهدف إلى الإعلاء من شأن بني إسرائيل رغم كونهم قوماً قادمين من البدو هاربين من المجاعة ومقبلين على أرض ذات حضارة عريقة. إلاّ أنّ القارئ للتفاسير يرى وكأن بني إسرائيل جاؤوا ليباركوا مصر ومن فيها.

كما أنّ قصة إخراج موسى لتابوت يوسف من النيل لا تخلو من مبالغات شديدة، وكلّها للتدليل على أنّ يوسف خرج من مصر ودفن بأرض فلسطين، رغم أني أكاد أقطع بأنّ كلاً من يعقوب ويوسف وموسى لم يخرجوا من أرض مصر وأنّ قبورهم ما زالت موجودة في مكان ما على تلك الأرض.

كذلك التفاسير الإسلامية، وخاصة التفاسير المتقدمة مثل تفسير مقاتل بن سليمان (توفي بالبصرة سنة 150 هـ) احتوت على عدد غير قليل من قصص لم يرد إسناد متصل لها. فعلى سبيل المثال يبدو مقاتل غير مقتنع بأنّ يوسف ويعقوب لم يتواصلا معاً طوال فترة ابتعادهما؛ حيث نجده يسوق قصة يشير فيها إلى أنّ يعقوب أرسل مكتوباً إلى عزيز مصر عقب قصة صواع الملك، نفى فيها أن يكون ابنه سرق؛ مستدلاً على ذلك بأنهم أهل ابتلاء، فهو ابن الذبيح (اسحاق) ابن الناجي من النار (إبراهيم).

كما أنّ يوسف أعلم يعقوب، بحسب مقاتل، بأنه تم بيعه في مصر، كما أنّ جبريل أعلم يوسف بمدى حزن يعقوب على غيابه.

وبجانب مقاتل، نجد أنّ القرطبي (من مفسري القرن السابع الهجري) قد ساق قصصاً اعتبرها حقائق تاريخية دون أن يدلل على صحتها من أي مصدر آخر؛ حيث يرى أنّ يوسف أول من خطّ بالقلم على ورق البردي، وأنّ صورة يوسف سُكّت على العملة المصرية في عهده.

ومن القصص التي يمكن اعتبارها من الإسرائيليات ما ورد عن القرطبي من أنّ موسى قد التقط تابوت يوسف من النيل وحمله بنو إسرائيل معهم؛ حيث دفنوه بجوار آبائه في "القدس" (اليهود يقولون إنّ يوسف مدفون في مدينة الخليل). كما يسوق القرطبي قصصاً لا تخلو من مبالغة؛ حيث يذكر أنّ حواراً دار بين يعقوب والذئب، أقرّ خلاله الأخير بأنه بريء من دم يوسف، ويزيد على ذلك بأنّ الذئب قال إنه غريب من أرض مصر جاء ليبحث عن أخ له لا يدري إن كان حياً أو ميتاً.

وتبلغ هذه القصص مداها عند ذكر أحوال أبناء يعقوب عند الغضب، فهم يرعدون الأرض ومن عليها ولا يخمد غضبهم إلاّ إذا مسّهم أحد من نسل يعقوب.

وهنا نجد أنّ أوجه التقارب بين التفاسير اليهودية والإسلامية أكثر من الاختلاف بينها؛ حتى أننا نلحظ مطابقة في بعض القصص المرويّة من الطرفين، بما يجعلنا نقطع بأنّ هناك نقلاً قد تم بطريقة ما للنصوص بين كتب التفسير اليهودية والإسلامية، والعكس.

فالنقل ليس فقط من اليهودية للإسلام، فيما يُعرف بالإسرائيليات، بل إنه يتم أحياناً من التفاسير الإسلامية إلى التفاسير التي وضعها يهود مقيمون في أراض إسلامية.

وعلى أية حال؛ فتعدّد القصص التي احتوتها هذه التفاسير إنما كانت محاولة لكشف بعض الغموض الذي احتوى القصة بنصيها التوراتي والقرآني.

المصدر

http://news.naseej.com/Detail.asp?InSectionID=2235&InNewsItemID=312348

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير