وقد عمل على فك الهمداني من سجن الإمام الناصر بصعدة بعض كبار رجال القبائل من خولان إلا أن الإمام الناصر توعد الهمداني إن عاد إلى مثلها، فخرج على إثر ذلك من صعدة إلى صنعاء مسقط رأسه طامعاً في أن ينعم بحمى أميرها بالجاه العريض، والقدر الرفيع. ومن الجائز أن اتصاله الوثيق بأبي نصر محمد بن عبد الله اليهري قد تم بصنعاء في هذه الفترة، وهو عالم ونسابة كما وصفه الهمداني بقوله: "شيخ حمير وناسبها وعلامتها وحامل سفرها ووارث ما ادخرته ملوك حمير في خزائنها من مكنون علمها وقارئ مسندها والمحيط بلغاتها".
ويستدل من بعض الإشارات على أن الهمداني لم يأبه إلى توعد الناصر فانطلق يكتب الأشعار ويجمع مفاخر قحطان، وألف (شرح الدامغة) في صنعاء، وظن أنه في حمى آل يعفر الحميريين، وأنهم لا ريب مانعوه. ولما بلغ الناصر أن الهمداني لم يكف وقيل: إنه تنقصه أيضاً في بعض أشعاره، كتب إلى أسعد بن أبي يعفر يعرفه بما بلغه من ثلب الهمداني له، وكان بين الناصر وأسعد مودة شديدة ووفاق عريض فورد كتاب أسعد إلى أبي الفتوح الخطاب ابن أخيه أمير صنعاء يأمره فيه أن يأمر بحبس الهمداني وتقييده فقيد وضُمِّن الحبس.
وقد اختلط الأمر على الرواة في أمر سجن الهمداني حيث مزجوا بين سجنه لمدة قصيرة في صعدة علي يد الناصر، وبين سجنه الطويل في صنعاء على يد آل يعفر، أي بين سجنه عام (315هـ/927م) وسجنه عام (319 هـ/931م). وقد بادر إلى نجدته بعض رجال القبائل، فطالبوا به متوعدين فأذن بإطلاق سراحه في نحو 17 ذي القعدة من عام 321 هـ/8 نوفمبر 933 م)، فانتقل بعد ذلك إلى ريدة من بلاد قاع البون حيث قضى الهمداني بقية عمره.
وقد يكون أهم سبب دعاه للاستقرار فيها هو وجود سند عائلي وقبلي، فقد كان سكان ريدة من العلويين الذي نعتهم الهمداني برهطة. إلى جانب وقوعها على مقربة من كثير من مواقع الآثار اليمنية القديمة التي عُنِى الهمداني بزيارتها واستقراء مساندها. وهناك انصرف كلية إلى التأليف الغزير، فكتب (الإكليل) بأجزائه العشرة ليكون موسوعة الحضارة اليمنية القديمة، وقد أشار غير مرة إلى فترة اشتغاله بتأليفه نحو عام (330هـ/941م). ويستفاد من كتاب (صفة جزيرة العرب) أنه كتبه بعد كتاب (الإكليل)، أما مصنفاته الأخرى مثل (اليعسوب، والأيام، والقوى، والزيج) فتدل الإحالات إليها في كتبه أنها ألفت قبل عام (330 هـ/ 941 م). ورغم أن بعض كتب الهمداني قد رويت عنه مختصرة أو منقحة، وبعضها ما زال مفقوداً إلا أنه من الثابت أنه كان غزير التأليف، وأن إقامته في ريدة كانت أغنى فترات الإنتاج عنده، بعد أن شغل قبل ذلك في مكة وصنعاء بالجمع والتحصيل.
توفي الهمداني في ريدة، وبها قبره وبقية أهله، وقبره اليوم مجهول، وتاريخ وفاته غير ثابت وفيه خلاف، ويرجح أنه عاش إلى ما بعد (336هـ/947م).
ـ[مصعب الجهني]ــــــــ[27 - 09 - 10, 11:06 ص]ـ
مخطوط الفاصل بين الحق والباطل في أنباء قحطان واليمن
مؤلف مجهول
دار الكتب القومية بمصر رقم 5572 قسم التاريخ
تحقيق:
محمد عبد الرحيم جازم (المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية)
ومنير عربش (المركز الوطاني للبحوث العلمية)
تمهيد:
في عام 2005 تمكن المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بصنعاء من تصوير مخطوط ناقص من مكتبة خاصة بصنعاء يحتوي بداخله على العنوان التالي: الجزء الثاني من كتاب الفاصل بين الحق والباطل من كتاب الإكليل مفاخر قحطان واليمن، ويبدأ المخطوط بالباب الثامن وينتهي بالباب الرابع عشر، وهذا المخطوط تم الانتهاء من نسخه بتاريخ 17 ذي القعدة سنة 1316 هجرية/16 مارس 1899 ميلادية. وادعى صاحبه أنه الجزء الثالث من الاكليل في مفاخر قحطان واليمن ومن هنا كان اهتمامنا بهذا المخطوط. وتم الاتفاق مع صاحب المخطوط بصنعاء على أن يقوم المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بصنعاء بنشر المخطوط بإشراف الباحثين محمد عبد الرحيم جازم ومنير وعربش. وقد تبين بعد الفحص والتدقيق ومن خلال مراجعة كتاب مصادر تاريخ اليمن في العصر الاسلامي بأنه يوجد مخطوط آخر في القاهرة يتكون من أربعة عشر بابا ويحمل العنوان التالي: الفاصل بين الحق والباطل من أنباء قحطان واليمن لمؤلف مجهول، نسخة مؤرخة بتاريخ 826 هجرية/1423 ميلادية، دار الكتب القومية بمصر. فطلب المعهد
¥