تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصوَّب رأيه، وكان عبدالملك يثقل عليه ذلك، ثم إن سليمان جلس مع قبيصة بن ذؤيب، فأخبره خبر أبان بن عثمان، وما نسخ من تلك الكتب، وما خالف أمير المؤمنين فيها، فقال قبيصة: لولا ما كرهه أمير المؤمنين لكان من الحظ أن تعلَّمها وتعلِّمها ولدك وأعقابهم، إن حظ أميرالمؤمنين فيها لوافر، إن أهل بيت أمير المؤمنين لأكثر من شهد بدراً، فشهدها من بني عبدشمس ستة عشر رجلا من أنفسهم وحلفائهم ومواليهم، وحليف القوم منهم، ومولى القوم منهم، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله من بني أمية أربعة: عتاب بن أسيد على مكة، وأبان بن سعيد على البحرين، وخالد بن سعيد علي اليمن، وأبو سفيان بن حرب على نجران، عاملا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني رأيت أمير المؤمنين كره من ذلك شيئا فما كره فلا تخالفه, ثم قال قبيصة: لقد رأيتُني وأنا وهو يعني عبدالملك وعدة من أبناء المهاجرين، مالنا علم غير ذلك حتى أحكمناه، ثم نظرنا بعد في الحلال والحرام.

فقال سليمان: يا ابا اسحاق ألا تخبرني عن هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحي من الأنصار وحرمانهم إياهم لم كان؟ فقال: ياابن أخي أول من أحدث ذلك معاوية بن أبي سفيان، ثم أحدثه أبو عبدالملك، ثم أحدثه أبوك, فقال: علام ذلك؟ قال: فوالله ما أريد به إلا لأعلمه وأعرفه؛ فقال: لأنهم قتلوا قوما من قومهم، وما كان من خذلانهم عثمان رضي الله عنه فحقدوه عليهم، وحنقوه وتوارثوه، وكنت أحب لأمير المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم، وأن أخرج من مالي، فكلمه, فقال سليمان: أفعل والله , فكلمه وقبيصة حاضر، فأخبره قبيصة بما كان من محاورتهم, فقال عبدالملك: والله ما أقدر على غير ذلك، فدعونا من ذكرهم، فأُسكت القوم , انتهى.

أحببت إيراد هذا الخبر على طوله، لإيضاح جانب من جوانب تدخل الولاة في تدوين التاريخ؛ كان الاتجاه في أول أمره لتدوين السيرة النبوية، وهي شاملة لجميع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وليست خاصة ببيان غزواته وسراياه، بل تتضمن تأسيس مسجده الشريف، وبناء دُوره، وذكر منازل أصحابه، وهي منتشرة في المدينة، وما فيها من المساجد التي اختطها المصطفى عليه الصلاة والسلام في كل محلة من محلات أولئك الأصحاب، مما هو موضح فيها عرف من كتب السيرة ك المغازي للواقدي 130/ 207 ه والسيرة النبوية لمحمد بن اسحاق المتوفى سنة 152 ه التي لخصها عبدالملك بن هشام المتوفى سنة 218 ه والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد المتوفي سنة 230ه وغيرها من المؤلفات لعلماء القرن الثاني الهجري ثم من بعدهم من المؤرخين.

أما الكتب المخصصة لتاريخ المدينة، فهي وإن تصدى لتدوينها علماء متقدمون من أهل القرن الثاني ممن لم تصل إلينا شيء من مؤلفاتهم ومن أقدمهم: عبدالعزيز بن عمران الزهري المدني، ومحمد بن الحسن بن زبالة المخزومي المدني صاحبأخبار المدينة الذي نقل عنه السمهودي في 350 موضعا، وكان موجودا عنده، ولعله احترق مع كتبه في الحريق الذي وقع في المسجد النبوي في رمضان 886، فقد قال السمهودي: وكنت تركت كتبي بالخلوة التي كنت أقيم بها في مؤخرة المسجد، فكتب إلي باحتراقها (3).

ومن أشهر مؤرخيها: عمر بن شبة النميري البصري 173/ 262ه وقد وصل إلى القراء قطعة من تاريخه هذا، نشرها وجيه أهل المدينة السيد حبيب محمود أحمد نشرة يعوزها التحقيق 4، ثم توالت المؤلفات بعد ذلك مما رجع السمهودي إليها، وقد نُشِر كثير منها واشمل من ألف في تاريخ المدينة بحق هو نور الدين علي بن عبدالله السمهودي 844/ 911ه فتصدى لجمع تاريخ هذه البلدة الطيبة وأفرغ جهده واتجه لذلك اتجاها برز أثره فيما بقي من مؤلفاته واحفلها وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى واختصره من كتاب مطول له في الموضوع، وله خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى اختصر فيه وفاء الوفا وله مؤلفات غيرها؛ أما قول السخاوي عنه: إن تاريخه في المدينة مفتقر إلى تحرير ونظر, فمثل كثير من أقواله عن مشاهير العلماء, واستمر التأليف بعد السمهودي عن طيبة الطيبة.

وفي عصرنا ألف عدد من أدباء المدينة في هذا الموضوع ومنهم على سبيل المثال: الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري (5).

والأستاذ علي حافظ (6) له كتاب فصول من تاريخ المدينة المنورة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير