والثاني: وهو الاهم ان المؤلف قل ان يدع موضعا تحدث عنه دون ان يصوره او يرسمه رسماً متقناً، وان يحدد بعده عن مركز المدينة بالاكيال 1 وان يوضح ذلك الموقع في مصور جغرافي؛ والمؤلف في كل ذلك تتبع ما تحت يد القارىء من المؤلفات عن طيبة الطيبة فرجع اليه واستفاد منه، ولهذا فليس من المبالغة القول بأن من طالع كتاب وفاء الوفا للسمهودي وهو أوفى كتاب الف في موضوعه واشمله من حيث تتبعه لمصادر التاريخ القديم, أما ما بعده من مؤلفات، فهي على كثرتها وجلالة قدرها، تعده المرجع فيما تضيفه من استنتاجات او دراسات.
لهذا يصح القول بأن ما ورد في كتاب السمهودي الآنف الذكر عن المظهر الطبيعي للمدينة المنورة من حيث الحرار والجبال والاودية المسماة في ذلك الكتاب قد درسها الاستاذ المهندس عبدالعزيز دراسة علم ومشاهدة، ووصفها وصفاً دقيقاً، وابرزها ممثلة في الصور والرسوم فيما صور في مؤلفه الضخم، الذي يعد اتمامه من اوفى المراجع عن تاريخ طيبة الطيبة وجغرافيتها.
ومن المعروف ان كل عمل يقوم به الانسان لا يبرز كاملا فالكمال لله سبحانه وتعالى، الذي قال في وصف كتابه الكريم: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا؛ فقل ان يوجد مؤلف لا يخلو من المآخذ، غير ان القارىء يهتم بالجوهر، ولا يعنيه ما قد يعترضه من هفوات هينات، قد يكون في الاشارة الى بعضها ما يدفع المؤلف الى تداركها فمن ذلك:
1 الاعتماد على مصادر غير موثقة، كما ورد في قوله 2: وتقع بين هذه المرتفعات بعض الهضاب والحرات البركانية مثل حرة الحجاز، ومن الحرات حرة خيبر وتعرف ب حرة النار وتقع شمال شرق المدينة و حرة الكرماء التي تقع شرقي المدينة وتصل بين حرة خيبر و حرة بني سليم التي تمتد من المدينة المنورة الى قرب مدينة الطائف انتهى.
هذا الكلام رجع فيه المؤلف الى كتاب شبه جزيرة العرب لمحمود شاكر وهو غير الاستاذ الثبت المحقق محمود محمد شاكر رحمه الله فالاول اسمه الكامل محمود شاكر سعيد، من الاخوة المنتدبين للتدريس في المدارس من اهل الشام.
والقول بان حرة الكرماء التي تقع شرقي المدينة، تصل بين حرة خيبر و حرة بني سليم , فلا يعرف في كتب المتقدمين حرة بهذا الاسم، انما يوجد حزم مسطيل عريض، يعرف قديما ب حزم بني عوال تغلب على مظهره صفات الحرة، وقد اطلق عليه حديثا اسم حرة الكرماء خطأ، والكرماء هنا اسم محرف عن اسم عربي قديم، لايزال مستعملا وهو هرمة اسم منهل واقع في هذا الحزم، رسم في احدى المصورات الجغرافية من قبل اناس اعاجم، لا يحسنون اللغة العربية كرماء وهي في الاصل هرمة، قال عنها عرام بن الاصبغ السلمي في رسالته 3 في كلامه على الطرف المعروف الان باسم الصويدرة: يكتنفه ثلاثة جبال: احدهم ظلم وهو جبل اسود شامخ، لا ينبت شيئاً، و حزم بني عوال وهما جميعا لغطفان، وفي عوال آبار منها بئر ألية، اسم إلية الشاة و بئر هرمة وبئر عمير و بئر السدر وليس بهؤلاء ماء ينتفع به انتهى، و بئر هرمة معروفة في هذا الحزم الذي اطلق عليه فيما بعد هرمة من ذلك العهد الى عهدنا الحاضر، ويقع بين خطي الطول: 00/ 40 و 31/ 40 وخطي العرض: 20َ/24 و 40َ/24.
2 والحزم الذي تنطبق عليه صفات الحرار لا يصل بين حرة خيبر و حرة بني سليم بل بينهما اودية وارض واسعة.
3 القول بأن حرة بني سليم تمتد من المدينة المنورة الى قرب الطائف, غير صحيح ف حرة بن سليم، وتعرف الآن باسم حرة رهاط، ورهاط احد الاودية الممتدة منها نحو البحر قال ابو علي الهجري في تحديدها 4: حرة بني سليم تبتدىء من ذات عرق، ورهاط، ثم تنقطع بحبس عوال، الى قرب الطرف المنزل الذي قبل المدينة انتهى والهجري من اهل القرن الرابع الهجري ومن العلماء المشهورين، وحبس عوال هو حزم بني عوال الذي تقع فيه بئر الهرمة، وذات عرق تعرف الآن باسم وادي الضريبة يقع بقرب خط العرض: 50َ/21 بينما بلدة الطائف تقع بقرب خط العرض:15َ/21َ فالمسافة بين منتهى حرة بني سليم وبين مدينة الطائف طويلة عريضة.
4 منها عدم التثبت من صحة النص كما في ص 40 حيث ورد: تشير الروايات التاريخية الى ان سكان المدينة قبل البعثة كانوا من عقيل وفالج ومنهم العماليق.
لعل المؤلف الكريم رجع في هذا الى كتاب وفاء الوفاء 5:فنزلت عبيل يثرب، ويثرب اسم ابن عبيل.
¥