تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال يعقوب بن شيبة: «ما رأيت أحداً من أصحابنا ممن ينظر في الحديث و ينتقي الرجال، يقول في عمرو بن شعيب شيئاً. و حديثه عندهم صحيح. و هو ثقةٌ ثبت. و الأحاديث التي أنكروا من حديثه، إنما هي لقومٍ ضُعفاء رووها عنه, و ما روى عنه الثقات فصحيح».

و قال عنه العجْلي و النسائي: ثقة. و نقل الترمذي عن شيخه البخاري: «رأيت أحمد (أي بن حنبل) و علياً (أي بن المديني) و إسحاق (أي بن راهويه) و أبا عبيد و عامة أصحابنا، يحتجّون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ما تركه أحد من المسلمين. فمن الناس بعدهم؟». و استنكر الذهبي هذا القول لأن البخاري لم يخرج له في الصحيح، لكنه أكد أنه قد احتج به أرباب السنن الأربعة وابن خُزَيمة وابن حِبَّان في بعض الصور و الحاكم.

قلت: القول ثابتٌ عن البخاري، و قد كتب قريباً منه في تاريخه إذ قال: «رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله والحُمَيْدي وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه» [11]. و قد أخرج أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في مسانيدهم لعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، و كذلك مالك في الموطّأ. و حديثه حُجّةٌ عند الأئمة الأربعة و جمهور الفقهاء. أما البخاري فلم يخرج له لأنه يعتبر حديثه في مرتبة الحسن الذي هو دون شرطه في صحيحه. و قد أخرج له في جزء القراءة مُحتجّاً به كما نصّ إبن حجر [12].

قال الزّركشي: «و قد رد أبو العباس ابن تيمية على ابن الصلاح، ما اختار في التعليق. و قال: بل عادة البخاري انه إذا جزم بالمعلق، فقال قال رسول الله r، فهو صحيحٌ عنده. و إنه إذا لم يجزم به كقوله: و يُذكر عن بُهْزِ بن حكيم [13]، كان ذاك عنده حسناً لا يبلغ مبلغ الصحيح. و لكن ليس بضعيف متروك، بل هو حسنٌ يُستشهد به و يُحتجّ به إذا لم يخالف الصحيح. و لكن ليس بالصحيح المشهور» [14]. قلت و هذا يؤيد أعلاه لأن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أقوى من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده [15].

و قد لخص شيخ الإسلام إبن تيمية هذه المسألة فقال:

«وقد رُوي أن عبد الله بن عمرو كان يكتب ما سمع من النبي. فقال له بعض الناس إن رسول الله يتكلم فى الغضب فلا تكتب كلما تسمع. فسأل النبي r عن ذلك فقال: "إكتب فوا الذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حق". يعنى شفتيه الكريمتين. و قد ثبت عن أبي هريرة أنه قال: "لم يكن أحد من أصحاب رسول الله r أحفظ مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب بيده و يعي بقلبه، و كنت أعي بقلبي و لا اكتب بيدي" [16].

وكان عند آل عبد الله بن عمرو بن العاص نسخة كتبها عن النبي. و بهذا طعن بعض الناس في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده، و قالوا هي نسخة، و شعيب هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. و قالوا عن جده الأدنى محمد، فهو مرسل لم يدرك النبي، و إن عنى جده الأعلى فهو منقطع فان شعيباً لم يدركه.

و أما أئمة الإسلام و جمهور العلماء، فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا صحّ النقل إليه مثل مالك بن أنس و سفيان بن عيينة و نحوهما، و مثل الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه و غيرهم. قالوا الجد هو عبد الله، فانه يجيء مسمّى و محمد أدركه. قالوا و إذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبي كان هذا أوكد لها و أدلّ على صِحّتها. و لهذا كان في نُسخة عمرو بن شعيب من الأحاديث الفقهية التي فيها مقدرات ما احتاج إليه عامّة علماء الإسلام» [17].

و الذي نرتاح إليه أن ما وَسِعَ جمهور العلماء و الأئمة الأربعة يسَعنا أيضاً. و لكننا لا نجعله في مرتبة الصحيح الذي لا خلاف فيه، بل هو في أعلى مراتب الحسن كما نصّ على ذلك الإمام الذهبي، أو في مرتبة القويّ بين الحسن و الصحيح كما نصّ على ذلك الحافظ إبن حجر. و الله أعلم بالصواب.


[1] – إنظر طبقات بن سعد (2\ 373)، و تقييد العلم (ص84).

[2] – مسند أحمد (10\ 171)، و كتاب العلم للمقدسي (ص30) بإسنادٍ صحيح.

[3] – أسد الغابة (3\ 233).

[4] –معظم الأقوال نقلها الإمام شمس الدين الذهبي في هذه المسألة في ترجمته لعمرو بن شعيب في سير أعلام النبلاء (5\ 166)، و كذلك الحافظ إبن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (8\ 43).

[5] – إن وجه الغرابة هنا في قول إبن معين أنه يعتبر الحديث المكتوب بليّة، مع أنه أوكد و أوثق.

[6] – التاريخ الكبير (4\ 218)، و تقريب التهذيب (1\ 267).

[7] – مصنف عبد الرزاق (6\ 257).

[8] – المستدرك (2\ 74) و السنن الكبرى (5\ 167) و سنن الدارقطني (3\ 50).

[9] – تهذيب الكمال (12\ 535).

[10] – المقصود من الوِجادة أنها صحيفة قد وجدها فنقل عنها دون ضبط. و الخوف هنا من حصول تصحيف. و معلومٌ شدة كراهية المحدّثين الأوائل للكتابة لأنهم كانوا يَرون وجوب السماع من مشايخ حتى لو رُوِيُ الحديث بالمعنى. ثم زالت هذه الكراهة تدريجيّاً، لذلك نجد أكثر المحدثين المتأخرين –إن لم يكن كلهم– يحتجون بحديثه.

[11] – التاريخ الكبير (6\ 342).

[12] – تهذيب التهذيب (8\ 48).

[13] – إنظر صحيح البخاري (1\ 107).

[14] – كتاب النكت على ابن الصلاح للزركشي (1\ 239).

[15] – قال ابن أبي حاتم سئل أبي أيما أحب إليك هو أو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فقال عمرو أحب إلي.

[16] – راجع طرق هذا القول و الحديث الذي قبله في شرح معاني الآثار (4\ 319)، و المحدث الفاصل (1\ 364).

[17] – مجموع الفتاوى (18\ 8).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير