تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن كثيراً من طلبة العلم يسيرون على منهج يقول: إن من تكلم أخيراً فهو صاحب الحق، بغض النظر عن دليله وماذا قال!!

ولأبين لكم _ إخواني _ أن هذا هو واقع كثير من طلبة العلم، فإنه لو كان أول من كتب في بيان معنى عبارة البخاري (فيه نظر) هو الذي يفسرها بالضعف الشديد، وكان بذلك أول من أثار المسألة. واحتج لذلك بقول الذهبي في السير (12/ 441) نقلاً عن البخاري أنه قال: (إذا قلت فلانٌ في حديثه نظر، فهو متهمٌ واهٍ).

فجئت أنا لأردَّ عليه قائلاً: إن هذا القول غير صحيح، إذ أين قال البخاري هذا القول؟!! أين عنه العلماء بهذا اللفظ؟!! وكيف لنا أن نقبله وهو يعارض: دلالة اللغة، ودلالة الاصطلاح العام، وفهم الترمذي (وكفى به)، وفهم ابن عدي (وكفى به)، وفهم ابن حجر (كما يأتي)، ويعارض الاستقراء التامَّ الذي قام به باحثٌ مختص، والاستقراء الناقص الذي ظهر لي من خلال واقع كلام البخاري؟!! إنه لا يمكن إلغاء هذه الدلالات كلها لمجرد عبارة تعارضها، الله أعلم بصحتها؟! فإن صحت، فالله أعلم بسياقها؟!

إنني لا أشك لو كان هذا هو الذي وقع، لما أكثر أو كثيرٌ من طلبة العلم إلى قولي، لأنه الأخير، لا لأن ما فيه حقٌ مؤيدٌ بالدليل!!!

هذا مع أن تلك الدلائل (بل بعضها) كافٍ _ حقاً وصدقاً _ في عدم صحة الاعتماد على ما نقله الذهبي عن البخاري، في تلك العبارة المبتورة عن سياقها، إذ كم كان للسياق من صوارف تصرف اللفظ (إذا كان مبتوراً) عن ظاهره. هذا لو كانت العبارة ثابتةً صحيحةً، فلم تكن ضعيفة عن البخاري، أو رواية بالمعنى لكنها أخلت بالمعنى!!!

وأنا أطالب من أبي إلا الاحتجاج بنقل الذهبي بالجواب عن الأسئلة التالية:

هل كان الترمذي لا يفهم كلام شيخه؟

هل كان ابن عدي يجهل مصطلح البخاري؟

كيف توجِّه ذلك النقل مع نتيجة الاستقراء التامّ الذي هو الحَكَم في تفسير المصطلحات؟

كيف نفعل مع أقوال البخاري الكثيرة المخالفة في دلالتها لما يقتضيه نقل الذهبي؟

أجب عن هذه الإشكالات أولاً، ثم اعترض بكلام الذهبي.

الوقفة الثانية: أما دعوى أن الذهبي استقرأ .. فإني لا أدري إلى متى نُبيح لأنفسنا أن ندعي ما لا دليل عليه؟ ومتى سنترك ما نهانا الله عنه في قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم)؟!!

هل ادعى الذهبي ذلك؟ أو ادعاه له أحدُ العلماء الذين اطلعوا على استقرائه هذا؟!

ثم يأتي ما نقله الذهبي عن البخاري، ليبين لنا أن الذهبي كان معتمداً في فهمه لكلام البخاري على هذه العبارة، لا على الاستقراء المدَّعى. وقد أجبنا آنفاً بعضَ الجواب عن عبارة البخاري التي نقلها الذهبي، وبيّنا ما يحوم حولها من الشكوك، وما يحيط بها من الاحتمالات، وما يعارضها ويعترضها من الإشكالات!!!

أما أن يبقى طلبة العلم على هذا المنهج، وهو التسرع إلى دعاوى استقراءٍ ينسبونها إلى العلماء، فماذا سيفعلون إذا اختلف العلماء؟!

إذ لقائل أن يقول إن الحافظ ابن حجر قد استقرأ كلام البخاري، فخرج بنتيجةٍ تقول عن قول البخاري (فيه نظر): (وهذه عبارته فيمن يكون وسطاً) كما في بذل الماعون له (117).

فماذا ستقول يا من اعتاد أن يدّعي الاستقراء لأي عبارة أطلقها أحدُ أهل العلم؟!

يتبع

ـ[ابن معين]ــــــــ[03 - 04 - 02, 06:57 م]ـ

الوقفة الثالثة: أما كلمة البخاري التي نقلها الذهبي فقد نقلها المزي بلفظ آخر ينبغي الوقوف الطويل عنده ومعه.

فقد قال المزي في تهذيب الكمال _ ترجمة عبدالكريم بن أبي المخارق _ (18/ 265): (قال الحافظ أبومحمد عبدالله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الأشبيلي: بيّن مسلم جرحه في صدر كتابه. وأما البخاري فلم ينبه من أمره على شيء، فدلّ أنه عنده على الاحتمال، لأنه قد قال في التاريخ: كلّ من لم أُبين فيه جَرْحة فهو على الاحتمال، وإذا قلت: فيه نظر، فلا يُحتمل).

ولم أقف على هذه العبارة في تاريخي البخاري (الكبير والأوسط)، ولو كانت في واحدٍ منهما في نُسخ الكتابين في عصر المزي، لكان المزي من أولى الناس اطلاعاً عليها فيهما، ولما افتقر في نقله لها إلى هذا الحافظ الأندلسي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير