تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كذا عرّفه ابن الصلاح (2)، وتبعه على هذا جماعة من أهل العلم (3).

وذكر العراقي أن التدليس بهذا المعنى هو المشهور بين أهل الحديث (4). وعزاه المعلمي إلى الجمهور (5).

وعلى هذا فالفرق بين التدليس والإرسال الخفي، هو قصدُ الإيهام بالسماع في التدليس، وأما الإرسال فلا يقصد فيه الراوي السماع على وجه الإيهام، والله أعلم.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن التدليس أخص من ذلك، وهو أن يروي الراوي عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه، يروي ذلك بصيغة توهم السماع.

وقد حكى العراقي هذا عن أبي بكر البزار، وأبي الحسن ابن القطان، ثم قال العراقي: " وما ذكره المصنف (يعني ابن الصلاح) في حدِّ التدليس هو المشهور بين أهل الحديث، وإنما ذكرتُ قولَ البزار وابن القطان لئلا يفتر بهما من وقف عليهما فيظن موافقة أهل هذا الشأن لذلك، والله أعلم " (6).

وخالف ابن حجر شيخه العراقي، ونازع في كون ما ذكره ابن الصلاح في حدِّ التدليس هو المشهور عند أهل الحديث، ولذا عرَف ابن حجر تدليس الإسناد بقوله: " أن يروي عمن لقيه شيئاً لم يسمعه منه بصيغة محتملة، ويلتحق به من رآه ولم يجالسه "، ثم قال ابن حجر: " وإذا روى عمن عاصره – ولم يثبت لقيه له – شيئاً بصيغة محتملة فهو الإرسال الخفي، ومنهم من ألحقه بالتدليس، والأولى التفرقة لتميز الأنواع " (7).

وتوسع بعضهم في تعريف التدليس، فقال: هو رواية الراوي ما لم يسمعه (8)، فأدخل فيه الإرسال الظاهر.

وعرّف الذهبي التدليس في الموقظة (9) بما يوافق هذا القول، حيث قال: " المدلس: ما رواه الرجل عن آخر، ولم يسمعه منه أو لم يدركه".

وعلى هذا التعريف لم يسلم أحد من التدليس، وقد أشار ابن عبد البر إلى هذا القول وبيَّن ضعفه (10).

والحاصل أن التدليس يفارق الإرسال، في أن الراوي لمّا دلّس قصد الإيهام بالسماع من ذلك الشيخ، وعلى هذا فإن الإرسال يكون تدليساً إذا كان على وجه الإيهام.

قال المعلمي: " وذكرَ مسلمٌ أمثلةً فيها إرسال جماعة بالصيغة المحتملة عمّن قد سمعوا منه (11)، ولم تعدّ تدليسا، ولا عُدوا مدلسين، ومحملُ ذلك أن الظنَّ بمن وقعت منهم أنهم لم يقصدوا الإيهام، وأنهم اعتمدوا على قرائن خاصة كانت قائمة عند إطلاقهم تلك الرواية تدفع ظهور الصيغة في السماع، وقد كنت بسطت ذلك ثم رأيت هذا المقام يضيق عنه. ولا يخالف ذلك ما ذكروه عن الشافعي أن التدليس يثبت بمرة، لأنا نقول: هذا مُسلّم، ولكن محله حيث تكون تلك المرة تدليسا بأن تكون بقصد الإيهام، والأمثلة التي ذكرها مسلمٌ لم ت كن كذلك بدليل إجماعهم على أن أولئك الذين وقعت منهم تلك الأمثلة ليسوا مدلسين" (12).

أقول: وعلى هذا فلا يُرمى الراوي بالتدليس بمجرد الوقوف على ما يُظن أنه دلّسه، فلعل ذلك يكون منه على ما ذكره المعلمي رحمه الله، ولم يكن منه على وجه الإيهام، والمعتمد في ذلك على كلام أئمة الجرح والتعديل، وأهل الشأن، هل وصموا هذا الراوي بالتدليس أم لا؟ كما هو الحال في التعديل والتجريح، والله أعلم.


(1) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، ص 546 – 547.
(2) علوم الحديث، ص 165.
(3) إرشاد طلاب الحقائق للنووي، 1/ 205.
(4) التقييد والإيضاح، ص 80.
(5) التنكيل للمعلمي، 1/ 78.
(6) التقيد والإيضاح، ص 80.
(7) تعريف أهل التقديس، ص 25.
(8) التقييد والإيضاح، ص 80.
(9) المرجع السابق، ص 47.
(10) التمهيد، 1/ 15 – 16.
(11) صحيح مسلم، (1/ 31 – 32) المقدمة، 6 - باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن.
(12) التنكيل للمعلمي، 1/ 78 – 79.

ـ[د. مبارك الهاجري]ــــــــ[01 - 08 - 02, 12:53 م]ـ
المبحث الثالث: من كتاب: التابعون الثقات المتكلم في سماعهم من الصحابة ممن لهم رواية عنهم في الكتب الستة.
الإسناد المعنن والمؤنن

الإسناد المعنعن: هو ما يقال فيه " فلان عن فلان "، من غير ذكر للسماع أو التحديث أو نحوهما.
وقد اختلف العلماء في الحكم على الإسناد المعنعن إلى ستة أقوال:
القول الأول:
أنه من قبيل المنقطع، ولا يُحكم له بالاتصال حتى يتبيّن اتصاله من طريق آخر يصرح فيه بالتحديث أو نحو ذلك مما يدل على السماع.
والقول الثاني:
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير