أنه من قبيل المتصل إذا كان الراوي معروفاً بطول الصحبة عمن روى عنه بالعنعنة، وبشرط أن يكون غير مدلس.
والقول الثالث:
أنه من قبيل المتصل إذا كان الراوي معروفاً بالرواية عمن روى عنه بالعنعنة، مع سلامته من التدليس.
والقول الرابع:
أنه من قبيل المتصل إذا كان الراوي أدرك من روى عنه بالعنعنة إدراكاً بيّنا، ولم يكن مدلساً.
والقول الخامس:
أن الإسناد المعنعن تمن قبيل المتصل إذا ثبت لقاء الراوي عمن روى عنه بالعنعنة ولو مرة واحدة، ولم يكن معروفاً بالتدليس.
والقول السادس:
أنه من قبيل المتصل إذا كان الراوي أدرك من روى عنه، وعاصر زمانه، وممكن جائز لقاؤه وسماعه منه، وكان مع هذا غير معروف وبتدليس.
وهذان القولان الأخيران – الخامس والسادس – هما المعتمدان عند أئمة هذا الشأن، وعليهما دار الترجيح بين أهل العلم.
فالقول الخامس هو مذهب البخاري وشيخه ابن المديني، وقال به جماعة من أهل العلم. والقول السادس هو مذهب مسلم وأبي عبد الله الحاكم، وظاهر صنيع ابن حبان، وعمل به كثير من العلماء المتأخرين (1).
وينبغي هنا التنبيه على مسألتين مهمتين:
المسألة الأولى:
في أن الراوي إذا روى عمن عاصره ولم يلقه، على وجه يوهم بأنه سمع منه، فهذا من التدليس، وإن اعتبره بعضهم إرسالاً خفياً , بل ذكر ابن تعبد البر أن من دلس عمن لقيه أخف ممن دلس تعمن لم يلقه، حيث قال: " وهذا أخف ما يكون في الذين لقي بعضهم بعضاً، وأخد بعضهم عن بعض، وإذا وقع ذلك فيمن لم يلقه فهو أقبح وأسمج " (2).
وقال المعلمي: " والرواية عن المعاصر على وجه الإيهام تدليس أيضاً عند الجمهور، ولمن لم يطلق عليها ذلك لفظاً لا ينكر أنها تدليس في المعنى، بل هي أقبح عندهم من إرسال الراوي على سبيل الإيهام عمن قد سمع منه. هذا وصنيع مسلم يقتضي أن الإرسال على أي الوجهين كان إنما يكون تدليساً إذا كان على وجه الإيهام، ويوافقه ما في الكفاية للخطيب ص 357 " (3).
المسألة الثانية:
في أن بعضهم توسّع في تصحيح حديد المُتعاصرَيْن بناء على مذهب مسلم من الاكتفاء بالمعاصرة دون اشتراط اللقي، وفي صنيعهم نظر، فإن مسلماً – رحمه الله – قيّد تلك المعاصرة وضبطها، كما سيأتي حكاية كلامه، وظهر لي ذلك من ممارستي لتراجم عدة خلال هذه الرسالة، وقد وقفت على كلام لمعلمي رحمه الله، يبيِّن ذلك بياناً شافياً.
قال المعلمي: " ضبط المعاصرة المعتمد بها على قول مسلم، ضبطها مسلم بقوله: " كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً وجائز وممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما كانا في عصر واحد … (4). وجمعه بين " جائز وممكن " يشعر بأن المراد الإمكان الظاهر الذي يقرب في العادة، والأمثلة التي ذكرها مسلم واضحة في ذلك.
والمعنى يؤكد هذا فإنه قد ثبت أن الصيغة بحسب العرف – ولا سيما عرف المحدثين وما جرى عليه عملهم - ظاهرة في السماع فهذا الظهور يحتاج إلى دافع، فمتى لم يعلم اللقاء، فإن ك ان مع ذلك مستبعداً، الظاهر عدمه، فلا وجه للحمل على السماع لأن ظهور عدم اللقاء يدافع ظهور الصيغة، وقد يكون الراوي عدَّ ظهور عدم اللقاء قرينة على أنه لم يُرد بالصيغة السماع. وإن احتمل اللقاء احتمالاً لا يترجح أحد طرفيه فظهور الصيغة لا معارض له. فأما إذا كان وقوع اللقاء ظاهراً بيّنا فلا محيص عن الحكم بالاتصال، وذلك كمدني روى عن عمر ولم يعلم لقاؤه له نصاً، لكنه ثبت أ نه ولد قبل وفاة عمر بخمس عشرة سنة مثلاً فإن الغالب الواضح أن يكون قد شهد خطبة عمر في المسجد مراراً. فأما إذا كان الأمر أقوى من هذا كرواية قيس بن سعد المكي، عن عمرو ابن دينار فإنه يحكم باللقاء حتماً،، والحكم به في ذلك أثبت بكثير من الحكم به لشامي روى عن يمان لمجرد أنه وقع في رواية واحدة التصريح بالسماع. (5) "
وأما الإسناد المؤنن فهو ما يقال فيه " فلان أن فلاناً قال ".
فأكثر أهل العلم على أن حكمه حكم الإسناد المعنعن سواء في أنه محمول على الاتصال إذا كان الراوي غير مدلس، وقد ثبت أنه لقي تمن روى عنه أو سمع منه، أو أنه عاصره وممكن وجائز سماعه منه ولقاؤه، على الخلاف المتقدم في الإسناد المعنعن بين مذهب البخاري وشيخه ابن المديني، ومذهب مسلم ومن تابعه رحمهم الله جميعاً.
¥