تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الوضع الجديد جعل تلك الأسانيد لا تكاد تخلو من وجود خلل فيها من جراء تساهل محدثي هذه المرحلة في توفير شروط الصحة فيها، حيث اكتفوا في رجالها ـ أي تلك الأسانيد ـ بستر الحال، ولو لم يعرفوا العدالة والضبط. والجدير بالذكر أن ما سبق توضيحه من ظروف بروز ظاهرة الاعتماد على الكتب بسماتها المميزة، لا يعني أن ظاهرة الاعتماد على الأسانيد في نقل الأحاديث قد انقطعت بشكل نهائي، فقد كان بعض محدثي المرحلة الثانية كلما ظفروا ببعض الأحاديث بأسانيد عالية ـ سواء كانت تلك الأسانيد تمر بأصحاب الصحاح والدواوين الأخرى، ام لا تمر بشيء منها ـ حرصوا على تسجيلها في مشيخاتهم وبرامجهم حسب تراجم الشيوخ الذين استفادوها منهم، وقد يصنفون كتبا خاصة لذكر تلك الأحاديث، وهي التي تعرف باسم " الأجزاء " ومن تتبع كتب المتأخرين في التراجم يعثر على مزيد من التفاصيل حول هذه المسألة.

ولا بأس أن نسوق بعض النصوص كي تتضح صورة الأجزاء واهتمام المتأخرين بتصنيفها.

يقول الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ: " خرج يوسف بن خليل المتوفى سنة 555هـ أجزاء عوالي: عوالي هشام بن عروة، وعوالي الأعمش، وعوالي ابن حنيفة، وعوالي أبي عاصم النبيل، وما اجتمع فيه أربعة من الصحابة " (7). وجمع أبو نعيم الأصبهاني، صاحب كتاب الحلية ما وقع له عاليا من حديث أبي نعيم الملائي ـ وهو الفضل بن دكين ـ في جزء من طرق مختلفة، وعدة ذلك ثمانية وسبعون حديثا، بعضها آثار (8). ويقول البكرى ـ وهو الحسن بن محمد ـ المتوفى سنة 606هـ:" اجتمع لي في رحلتي وأسفاري ما يزيد على مائة وستين بلدا أو قرية، أفردت لها معجما، فسألني بعض الطلبة أربعين حديثا للبلدان، فجمعتها أربعين من المدن الكبار، عن أربعين صحابيا، لأربعين تابعيا" (9).

المتأخرون وأسانيدهم وأمثلة روايتهم العالية

فعناية المحدثين بالاحتفاظ بالأحاديث برواية مباشرة بعوالي أسانيدها ـ وإن كان ذلك على نطاق ضيق ـ إلى جانب اهتمامهم البالغ بالاعتماد على المدونات ونقلها بأسانيد متنوعة أمر لم ينقطع كما ظهر لنا من النصوص السابقة وغيرها كثيرة. فالأجزاء تحوي أحاديث معدودة ظفر بها أصحابها بعوالي الأسانيد، منها ما يمر على الصحاح أو الكتب المعتمدة، ومنها مالا يمر على شيء منها، وأسوق هنا هنا بعض الأمثلة كي تتضح بجلاء أحاديث الأجزاء وغيرها وطبيعة أسانيدها التي هي مناط البحث.

المثال الأول وتحليله:

يقول الذهبي:

(1) أخبرني القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة

(2) قال أخبرنا شيخنا الحافظ ضياء الدين محمد

(3) قال أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد

(4) قال أخبرنا أبو جعفر الصيدلاني

(5) قال أخبرنا أبو علي الحداد ـ حضورا ـ

(6) قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ

(7) قال حدثنا ابن خلا د

(8) قال حدثنا الحارث بن محمد

(9) قال حدثنا يزيد بن هارون

(10) قال حدثنا حميد الطويل

(11) عن انس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط من فرسه فجحش شقه، أو فخذه، و آلى من نسائه شهرا ... الحديث (10).

فروى الحافظ الذهبي هذا الحديث بإسناد عدد رواته أحد عشر راويا، مما يجعل الإسناد عاليا، فقد قال هو:" وأعلى ما يقع لنا ولأضر ابنا في هذا الزمان من الأحاديث الصحيحة المتصلة بالسماع ما بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه اثنا عشر رجلا، وبالإجازة في الطريق: أحد عشر، وذلك كثير، وبضعف يسير غير واه: عشرة (11). فإسناد الحديث الذي رواه الذهبي آنفا مكون برواة المرحلتين: فأنس، وتلميذه حميد الطويل، وتلميذه يزيد بن هارون وتلميذه الحارث بن محمد، وتلميذه ابن خلا د، وتلميذه أبو نعيم، رجال الحديث في عصر الرواية، في حين أن بقية الرواة من رجال عصر ما بعد الرواية، فعندما يتكون الإسناد برواة المرحلة الأولى لا سيما بأمثال يزيد بن هارون ومن فوقه إلى أنس، يصبح طبقة متميزة ومختارة في الصحاح، على عكس رواة المرحلة الثانية، فإنه لا يخلو الإسناد المشكل بهم من خلل مانع من صحته لصعوبة تحقق شروطها للأسباب التي فصلناها آنفا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير