قال النووي: (وأما بالوجادة فعن المعظم أنه لا يجوز وقطع البعض بوجوب العمل بها عند حصول الثقة .. ) قال: (وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه في هذه الأزمان غيره).
أقدم إجازتين مأثورتين:
ا - إجازة أبي خيثمة لزكريا بن يحيى:
جاء في شرح ألفية العراقي نقلا عن الإمام أبي الحسن محمد بن أبي الحسين بن الوزان قال: (ألفيت بخط أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ الشهير صاحب يحيى بن معين وصاحب التاريخ ما مثاله: "قد أجزت لأبى زكريا يحيى بن مسلمة أن يروي عنى ما أحب من كتاب التاريخ الذي سمعه مني أبو محمد القاسم بن الأصبح ومحمد بن عبد الأعلى كما سمعاه منى، وأذنت له في ذلك ولمن أحب من أصحابه، فإن أحب أن تكون الإجازة لأحد بعد هذا فأنا أجزت له ذلك بكتابي هذا" وكتب أحمد بن خيثمة بيده في شوال سنة ست وسبعين ومائتين).
2 - إجازة حفيد بن شيبة للخلال
وكذلك أجاز حفيد يعقوب بن شيبة وهذه نسختها فيما حكاه الخطيب: يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة: (قد أجزت لعمر بن أحمد الخلال وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه على بن الحسن جميع ما فاته من حديثي مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره، وقد أجزت ذلك لمن أحب عمر، فليرووه عنى إن شاءوا. وكتبت لهم ذلك بخطى في صفر سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة).
دقة التحري وسعة معرفة أئمة الفن بأحوال الرواة:
وإن ما أثر عن أئمة رواية الحديث في دقة تحريهم عن أقوال الرواة وسعة معرفتهم بكل ما يتصل بهم من شئون خاصة أو عامة لمما يقضي منه العجب.
ولقد كانوا يتحرجون من الرواية حتى عن الثقات لتوهم الشبهة في بعض تصرفاتهم المتصلة بالرواية.
ولا تثبت صفة التقدم والحفظ لأحد من رجال الحديث حتى يكون قد حفظ متن الحديث وألفاظه وسنده حفظا تاما، ثم ألم بمعرفة رجاله وأحوالهم فردا فردا، ثم أضاف إلى ذلك العلم بطرق روايته المختلفة.
وهذا الإمام مسلم بن الحجاج يحدثنا في مقدمة صحيحه عن شيء من هذا فيقول شارحا منهاجه في الرواية:
(ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخرج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لك وهو:
أنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله "صلىالله عليه وسلم", فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس , فأما القسم الأول: فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها، وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا.
فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطى العلم يشملهم: كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار. فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين، فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة، لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة، وخصلة سنيه , ألا ترى أنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم: عطاء، ويزيد، وليثا بمنصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبى خالد في إتقان الحديث والاستقامة فيه وجدتهم مباينين لهم لا يدانونهم، لا شك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والأعمش وإسماعيل وإتقانهم لحديثهم، وأنهم لم يعرفوا مثل ذلك من عطاء ويزيد وليث.
وفي مثل مجرى هؤلاء إذا وازنت بين الأقران كابن عون، وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة وأشعث الحراني وهما صاحبا الحسن وابن سيرين، كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما إلا أن البون بينهما وبين هذين بعيد في كمال الفضل , وصحة النقل , وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة عند أهل العلم ..
فعلى نحو ما ذكرنا من الوجوه نؤلف ما سألت من الأخبار عن رسول الله "صلى الله عليه سلم".
¥