تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم كعبد الله بن مسور أبي جعفر المدائني، وعمرو بن خالد، وعبد القدوس الشامي، ومحمد بن سعيد المصلوب، وغياث بن إبراهيم، وسليمان بن عمرو أبي داود النخعي، وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث، وتوليد الأخبار , وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، أمسكنا أيضا عن حديثهم).

ـ ومن أمثلة التورع في الرواية حتى عن الثقات ما رواه مسلم بعد ذلك عن أبي الزناد عن أبيه قال: (أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال: ليس من أهله).

وإذا رجعت إلى كتب الرجال والعلل والجرح والتعديل أدهشك ما ترى من ذلك.

جودة الحفظ وسرعته ودقته وكثرته:

ولقد اشتهر الكثير من أئمة الحديث بسرعة الحفظ وجودته، ودقته وكثرته حتى كانوا أعاجيب الدنيا في هذه المعاني.

ومنهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الذي روي عنة في ذلك الغرائب المدهشة منذ كان غلاما حتى لقي ربه.

ولقد حدث عن نفسه فيما رواه الفريري:

(قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب".

قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟.

فقال: عشر سنين أو أقل , ثم خرجت من الكتاب فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبى الزبير عن إبراهيم. فقلت: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم .. فانتهرني.

فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك.

فدخل فنظر فيه ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام؟

فقلت: هو الزبير وهو ابن عدى عن إبراهيم.

فأخذ القلم وأصلح كتابه وقال لي: صدقت.

فقال له إنسان: ابن كم حين رددت عليه؟

فقال: ابن إحدى عشرة سنة.

قال: فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع. وعرفت كلام هؤلاء ـ يعنى أصحاب الرأي).

وقال حامد بن إسماعيل وآخر: (كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له. فقال: إنكما قد أكثرتما علي فاعرضا علي ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشرة ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد).

وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت سليم بن مجاهد يقول: (كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال لي: لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث. قال: فخرجت في طلبه فلقيته، فقلت: أنت الذي تقول: أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟

فقال: نعم وأكثر، ولا أجيئك بحديث عن الصحابة أو التابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم.

ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي في ذلك أصل أحفظه حفظا من كتاب الله أو سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم").

ومن ذلك الحادثة المشهورة التي يرويها ابن عدي فيقول:

(سمعت عدة مشايخ يحكون أن البخاري قدم بغداد، فاجتمع أصحاب الحديث، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد هذا، وإسناد هذا لمتن هذا " ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فقام وسأله عن حديث. فقال: ألا أعرفه. فسأله عن آخر. فقال: لا أعرفه. حتى فرغ من العشرة. وفعل مثل ذلك مع من بقي من المشايخ، لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه.

حتى إذا فرغوا، التفت إلى الأول فقال: أما حديثك الأول فإسناده كذا وكذا، والثاني كذا وكذا، والثالث إلى آخر العشرة، فردّ كل متن إلى إسناده. وفعل بالثاني مثل ذلك إلى أن فرغ .. فأقر له الناس بالحفظ والتقدم).

اختلاف درجات الحديث باختلاف مراتب الرواة:

وبهذا الاختلاف في درجات الرواة، وقوة الأسانيد، اختلفت مراتب الحديث، وقوة الاحتجاج بها، ووضع لكل منها اسم ووصف يكشف عن درجته.

فالصحيح، والحسن، والضعيف، وما إلى ذلك من أوصاف وألقاب للأحاديث، إنما مرده وأصله هذا الاختلاف في طبقات الرواة.

ونرجو أن نوفق في الكلمة التالية إلى التعرض لهذه الناحية بالذات حتى نضع بين يدي القراء الكرام من الذين لم يتصلوا بهذه الدراسات خلاصة موجزة واضحة لترجمة هذه الاصطلاحات ليسهل عليهم الاتصال بهذه الكتب والفنون إذا وجدوا الوقت والرغبة.

الحديث والخبر والأثر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير