تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - إن هذه الوسيلة - الالتفات - تخل بمقصود الأذان الذي هو: الإعلام، و من المتقرر: أن العبرة بحصول المقصد، و لا يلتفت إلى الوسيلة؛ لأنها غير مقصودة بنفسها، وفي هذا يقول الإمام الشاطبي – رحمه الله -:"و قد تقرر أن الوسائل من حيث هي وسائل غير مقصودة بنفسها، وإنما هي تبعٌ للمقاصد، بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل، وبحيث لو توصل إلى المقاصد بدونها لم يتوصل بها " (24)، و هذه القاعدة ما لم يدل الدليل الصحيح على للتكليف بالوسيلة مع انتفاء المقصود، و لو أريد تطبيق هذه القاعدة على هذا الفرع لقيل: إن الالتفات وسيلة لمقصد هو: تبليغ الصوت، و يمكن أداء هذا المقصد بغير هذه الوسيلة، ولم يدل دليل معين على التخصيص بهذه الوسيلة، و يمكن توضيح هذه القاعدة بما قاله ابن القيم – رحمه الله -في مسقطات الختان، حيث يقول:" أحدهما: أن يولد الرجل ولا قلفة له، فهذا مستغن عن الختان إذ لم يخلق له ما يجب ختانه، وهذا متفق عليه، لكن قال بعض المتأخرين: يستحب إمرار الموسى على موضع الختان، لأنه ما يقدر عليه من المأمور به، قد قال صلى الله عليه وسلم:" دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " (25)، وقد كان الواجب أمرين: مباشرة الحديدة و القطع، فإذا سقط القطع فلا أقل من استحباب مباشرة الحديد، والصواب: أن هذا مكروه لا يتقرب إلى الله به، و لا يتعبد بمثله، و تنزه عنه الشريعة؛ لأنه عبث لافائدة فيه، و إمرار الموسى غير مقصود، بل هو وسيلة إلى فعل المقصود، فإذا سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى، و نظير هذا: ما قاله بعضهم: إن الذي لم يخلق على رأسه شعر يستحب له في النسك أن يمر الموسى على رأسه، و نظير قول المتأخرين من أصحاب أحمد وغيره: إن الذي لا يحسن القراءة و لا الذكر أو الأخرس يحرك لسانه حركة مجردة، قال شيخنا (26): و لو قيل: إن الصلاة تبطل بذلك كان أقرب؛ لأنه عبث ينافي الخشوع، وزيادة عمل غير مشروع .. " (27).

2 - ثم إن الحاجة داعية إلى مثل ذلك، إذ كيف يبلغ الصوت من هو بعيد من المسجد نسبياً، لاسيما في ظل العصر الراهن؛ حيث الحواجز الإسمنتية و المكيفات، ولربما لم يحصل للشخص انتباه إلا في الحيعلتين، و حينها يكون الصوت خافتاً.

3 - و يمكن أيضاً أن تقاس مسألتنا على:

• الافتراش في الصلاة، فإنه سنة، مع ذلك إذا ترتب عليه تضييق فإنه لا يفعل (28).

• و ترك صلاة ركعتي الطواف خلف المقام لأجل المشقة (29).

فهذه السنن تركت لأجل (المصلحة).

4 - و يقال أيضاً:

اجتمع في هذا العمل مصلحتان:إعلام الناس بالأذان، و تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، و يترتب على تطبيقهما معاً: الإخلال بالإعلام، و إذا تركت سنة النبي صلى الله عليه وسلم حصل تمام الإعلام، فهنا نوازن بين المصلحتين، و عند اجتماع المصالح فإن القاعدة تنص على: أنه ترتكب أعظم المفسدتين و تفوت أدناهما (30)، و من المعلوم أن: مصلحة تبليغ الناس أعظم؛ لأن مجالها و نفعها متعدي، وهي تقتضي التعاون على البر و التقوى، بخلاف الاتباع فهو خاص بالمؤذن، إلى جانب أنه وقع في ظروف ومناسبات لا يعزل عنها في النظر إلى تأصيل الحكم الشرعي.

5 - و يقال أيضاً:

يترتب على هذا العمل مفسدتان، و من المعلوم: أن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، و إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما (31)، و نطبق هذه القاعدة على موضوعنا:

فالمفسدتان: 1 - الإخلال الإبلاغ الذي هو مقصد الأذان.

2 - ترك الالتفات.

و الضرر الأشد هو الإخلال بالإبلاغ الذي هو مقصود الأذان، والضرر الأخف هو: ترك الالتفات، فيرتكب الضرر الأخف الذي هو ترك الالتفات، و الله أعلم.

5 - ثم: الحكم يدور مع علته وجوداً و عدماً (32)، فالالتفات لقصد التبليغ و هذا القصد انتفى بوجود المكبر، بل إنه إذا التفت عاد على الأصل بالإبطال؛ حيث يختل الإعلام.

6 - ثم كون الصوت على مستوى غير ثابت أمر مكروه (33).

و هذا الاختيار هو اختيار:

? اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز – قدس الله روحه - (34).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير