2 - حديث سعد القرظ - رضي الله عنه - أن رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ أمر بلالاً أن يجعل أصبعه في أذنيه، وقال:" إنه أرفع لصوتك " (52).
3 - و لأنه أجمعُ للصوت؛ لأن الصوت يبدأ من مخارج النفس، فإذا سَدّ أذنيه اجتمع النفس في الفم، فخرج الصوت عاليا، فيكون أبلغ في الإسماع (53).
4 - وليستدل به من لا يسمع (54).
أثر مكبرات الصوت على هذه السنة:
يقصد بهذا الأثر: هل يترك المؤذن الذي يؤذن بواسطة المكبر وضع الأصبعين في الأذنين اكتفاء بالمكبر؛ لأن المكبر يبلغ الصوت، وهذا مقصد وضع الأصبعين، أو لا؟
فأقول:
المؤذن يسن له وضع الأصبعين في أذنيه - و إن أذن في المكبر -، لما يلي:
1 - لأن وضع الأصبعين في الأذنين لا يسلم أن المقصد منه: زيادة مدى الصوت فقط، بل قد ذكر بعض العلماء - كما سبق - أنه لحكمة أخرى وهي: أن يستدل به من لا يسمع، و يبصره البعيد.
2 - ثم إن سلم: حصر الحكمة في زيادة مدى الصوت: فيسن؛لأنه أبلغ في رفع الصوت، ووصوله إلى الآخرين، و بهما يتحقق مقصد الأذان، و اتباع الهدي النبوي، و يكون الصوت عالياً، و لا شك أنه انضم إلى ذلك المكبر، و الشارع يهدف إلى جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها (55).
3 - و لأنه أيضاً أمكن الجمع بين الوسيلتين و إذا أمكن الجمع بين الوسيلتين كان أبلغ في تحقيق المقصود و تكثيره، وذلك أمر مشروع لأمرين:
أ - أن مباشرة الوسائل المشروعة كافة أدعى في حصول المقصود.
ب – أن الأصل في الوسائل الشرعية: الإعمال (56).
المسألة الخامسة: رفع الوجه حال الأذان.
رفع الوجه حال الأذان من مسنوناته عند الحنابلة (57)، و لم أر لغيرهم ذكر لهذه المسألة.
و استدل لهذا الفعل بما يأتي:
1 - لأن الأذان فيه حقيقة التوحيد، فيستحب فعل ذلك (58).
2 - القياس على الوضوء، حيث من يفرغ من الوضوء يسن له أن يرفع بصره قبل ذكر الدعاء، وقد روي عن النبي_صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء " (59)، و الجامع بين رفع الوجه في الأذان وفي الوضوء: أن فيهما إعلان بحقيقة التوحيد، وإفراد الله بالعبادة (60).
و يمكن أن يجاب عن ذلك بما يأتي:
1 - بأن كون الأذان إعلان بحقيقة التوحيد لا يلزم منه رفع الوجه.
2 - و لأن الأصل في العبادات التوقيف و الحظر (61)، و لا يوجد دليل صحيح صريح يفيد ذلك.
3 - و ينازع القياس بعدم ثبوت دليل الأصل؛ إذ فيه رجل مبهم، ومن شرط صحة الأصل في القياس: أن يكون حكم الأصل متفقاً عليه (62).
وبناء على ذلك: فالراجح والله أعلم: عدم رفع الرأس حال الأذان.
وبناء على ذلك لا ترد مسألة الأثر.
المسألة السادسة: الترسل في الأذان وجزمه.
أولاً: تعريف الترسل:
الترسل في اللغة هو: التأني والتمهل (63).
و في الاصطلاح هو: التمهل والتؤدة في تحقيق ألفاظ الأذان من غير عجلة، و يكون بسكتة بين كل جملتين، من غير تمطيط، و لا مد مفرط، والجزم منه (64).
ثانياً: حكم الترسل:
اتفق الفقهاء على أن الترسل سنة من سنن الأذان (65).
واستدلوا بما يأتي:
1 - حديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال لبلال: " يا بلال إذا أذنت فترسل في أذانك، إذا أقمت فاحدر" (66).
وجه الدلالة: أن هذا أمر صريح من النبي_صلى الله عليه وسلم_ بالترسل.
2 - حديث علي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_يأمرنا أن نرتل الأذان، ونحذف الإقامة " (67).
وجه الدلالة:
أن ترتيل الأذان بمعنى الترسل فيكون أمراً به.
3 - وما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لمؤذن بيت المقدس:" إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحذم " (68).
وجه الدلالة:
أن هذا صريح في الأمر بالترسل.
4 - و لأن الأذان لإعلام الغائبين فكان الترسل فيه أبلغ في الإعلام (69)؛ لأنه إذا مد صوته و تمهل سرى في الآفاق، و من ثم يصل إلى أكبر عدد من الناس.
5 - و للتفريق بين الأذان والإقامة (70).
6 - و لأنه هو المتوارث عن السلف (71).
أثر مكبرات الصوت على هذه السنة:
¥