يقصد بهذا الأثر: هل يترك المؤذن الذي يؤذن بواسطة المكبر: الترسل، بناء على أنه لأجل أن يصل لمن هو في مكان بعيد؟
فأقول:
لا يترك المؤذن الذي يؤذن بواسطة المكبر الترسل، وذلك للأمور الآتية:
1 - لأن الترسل لا يسلم أن المقصد منه: زيادة مدى الصوت فقط، بل قد ذكر بعض العلماء - كما سبق - أنه لحكمة أخرى وهي: التفريق بين الأذان والإقامة.
2 - ثم إن سلم: حصر الحكمة في زيادة مدى الصوت: فيسن؛لأنه أبلغ في رفع الصوت، ووصوله إلى الآخرين، و بهما يتحقق مقصد الأذان، و اتباع الهدي النبوي، و يكون الصوت عالياً، و لا شك أنه انضم إلى ذلك المكبر، و الشارع يهدف إلى جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها (72).
3 - و لأن الأذان مع الترسل وسيلة لإبلاغ الغير الصوت، و كذلك الأذان في المكبر فأمكن الجمع بين الوسيلتين و إذا أمكن الجمع بين الوسيلتين كان أبلغ في تحقيق المقصود و تكثيره، وذلك أمر مشروع لأمرين:
أ - أن مباشرة الوسائل المشروعة كافة أدعى في حصول المقصود.
ب – أن الأصل في الوسائل الشرعية: الإعمال (73).
4 - و لأن أداء كلمات التوحيد بصوت جميل بتمهل بلا عجلة أدل على التعظيم و الاحترام، ولذا خطابات الملوك والرؤساء ونحوهم تلقى بصوت هادئ و بلا عجلة، ولله المثل الأعلى.
5 - و فيه تحقيق لمصلحة تتعلق بالمؤذن، و هي: الراحة وعدم سرعة الأنفاس، و الشارع تهدف إلى تحصيل المصالح و تحقيقها.
و الله أعلم ..
المطلب الثاني: سنة متعلقة بالمؤذن.
المسألة الأولى: أن يكون صيتاً.
أولاً: المراد بالصيت:
المراد بالصيت: شديد الصوت، وعاليه (74).
ثانيا" حكم كون المؤذن صيتاً:
اتفق الفقهاء على أنه يستحب أن يختار للأذان المؤذن الصيت، صاحب الصوت العالي المستحسن (75).
واستدلوا لذلك بما يأتي:
1 - ما ورد في حديث عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ قال له: " فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن، فإنه أندى صوتاً منك " (76)، والمراد بأندى: أعلى و أرفع وأبعد، وقيل: أحسن وأعذب (77).
و جه الدلالة: أن معنى قوله: " أندى ": عالي الصوت ومرتفعه، و هو الصيت.
2 - أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ اختار أبا محذورة - رضي الله عنه - للأذان؛لكونه صيتاً (78)، و يشهد لذلك:أن أبا محذورة - رضي الله عنه - قال: " كنت غلاماً صيتاً " (79).
3 - و لأن المقصود من الأذان الإعلام، وإذا كان المؤذن صيتاً كان أبلغ في الإسماع (80).
أثر مكبرات الصوت على هذه السنة:
يقصد بهذا الأثر: مع استخدام مكبرات الصوت هل يسن أن يكون صيتاً أولا؛ نظراً لأن المكبر سيقوي الصوت و يرفعه في الآفاق؟ فأقول:
الذي يظهر لي و الله أعلم:
بقاء سنية كون المؤذن صيتاً، وذلك للأمور الآتية:
1 - أنه إذا اجتمع قوة الصوت والمكبر: أدى إلى ارتفاع الصوت، وبثه في الأفق، و بهما يتحقق مقصد الأذان، و اتباع الهدي النبوي، و يكون الصوت عالياً، و الشارع يهدف إلى جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها (81).
2 - و لأنه – كما سبق - أيضاً أمكن الجمع بين الوسيلتين و إذا أمكن الجمع بين الوسيلتين كان أبلغ في تحقيق المقصود و تكثيره، وذلك أمر مشروع لأمرين:
أ - أن مباشرة الوسائل المشروعة كافة أدعى في حصول المقصود.
ب – أن الأصل في الوسائل الشرعية: الإعمال (82).
3 - و لأن المكبر ربما تعطل أثناء الأذان أو انقطع الكهرباء، فيكون الصوت فيه قوة.
المطلب الثالث: سنة متعلقة بما يؤذن له.
المسألة الأولى: الأذان بعد أداء الجماعة.
هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون الصلاة فائتة:
أولاً: صورة المسألة:
إذا فات فرد أو جماعة الصلاة حتى خرج الوقت فهل يشرع الأذان حينئذ؟
ثانياً: حكم المسألة:
الفرع الأول: إذا كانت الصلاة واحدة
اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في ذلك على أقوال:
القول الأول:
يستحب أن يؤذن للفائتة، وهو مذهب الحنفية (83)، ورأي لبعض المالكية (84)، و قول الإمام الشافعي - رحمه الله -في القديم (85)، وهو مذهب الحنابلة (86).
القول الثاني:
لا يؤذن لها، وهو مذهب المالكية (87)، و قول الإمام الشافعي -رحمه الله - في الجديد (88)، ورواية عند الحنابلة (89).
القول الثالث: 0
¥