وجه الدلالة: أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ لم يؤذن لبقية الصلوات الفوائت اكتفاء بالأولى.
2 - و استدلوا أيضا ً: بأن وقتهما واحد فيقوم الأذان الأول مقام البقية (110).
3 - القياس على الصلاة المجموعة حيث يؤذن للأولى فقط.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني بأدلة منها:
1 - ما روي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه حين شغله الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات قضاهن، فأمر بلالاً أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن (111).
و يمكن أن يناقش:
أ- بأن الحديث لم يرو هكذا، بل روي كما ذكره أصحاب القول الأول.
ب - ثم هو مرسل.
2 - و استدلوا أيضاً: بأن القضاء يحكي الأداء (112).
و يناقش:
بأن المقصد من تخصيص كل صلاة بأذان هو: إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، و هذا غير موجود حينما تفوت إذ أن وقت الفوائت حين ذكرها.
الترجيح:
لعل الأقرب – و الله أعلم – أنه لا يؤذن إلا للأولى، وذلك لقوة أدلة القول الأول، و ضعف أدلة القول الثاني بما أورد عليها من مناقشة.
أثر مكبرات الصوت على هذه السنة:
تأخذ نفس الأثر السابق الذي ذكر في الفرع الأول.
الحالة الثانية: الأذان في مسجد سبقت فيه الجماعة
أولاً: صورة المسألة:
إذا قيمت الصلاة في مسجد، ثم حضرت جماعة أخرى لم يصلوا، فهل يؤذنون أو لا؟
ثانياً: حكم المسألة
اختلف العلماء - رحمهم الله - في ذلك على أقوال، يمكن عرضها في ضوء النقاط الآتية:
القول الأول:
التفصيل:
أ – إن كان المسجد له أهل معلوم، و صلى فيه غير أهله بأذان وإقامة: فلا يكره الأذان مرة أخرى فيه.
ب – و إن كان له أهل معلوم،وصلوا فيه، أو صلى بعضهم بأذان: كره لغير أهله، أو لبقة أهله الأذان.
ج – إن كان ليس له أهل، كأن يكون على طريق: فلا يكره.
وهذا مذهب الحنفية (113) 0
القول الثاني:
يكره الأذان، والحالة هذه، وهو قول المالكية (114).
القول الثالث:
يسن لهم الأذان، ولكن الأولى: عدم رفع الصوت به؛ لخوف اللبس، سواء كان المسجد مطروقاً أو غير مطروق، وهذا مذهب الشافعية (115).
القول الرابع:
يستوي الأمر، و إن أذّنوا استحب الإخفات به؛ لئلا يغتر الناس، و هذا مذهب الحنابلة (116).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل الحنفية على قولهم بما يأتي:
أ – الأذان لنداء أهل الحي، فإذا لم يحضروا كلهم أذن؛ لأنهم المقصودون.
ب- و إن صلى أهل الحي أو بعضهم فقد خوطبوا بالنداء و لا حاجة إلى الإعادة.
ج - ولأن الأذان للإعلام فيستحب الأذان للمسجد على الطريق حتى يسمع به البعيد (117).
و يمكن أن يجاب عن ذلك:
بأن أهل الحي و إن كانوا مقصودين إلا أن في الأذان مصالح أخر، كالأجر المترتب للمؤذن،حيث لا يسمع صوته شيء إلا شهد له (118)، و كذلك: الأجر المترتب على الترديد مع المؤذن و غير ذلك.
أدلة القول الثاني:
واستدل المالكية على قولهم بما يأتي:
1 - ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه صلى بعلقمة والأسود – رحمهما الله - بغير أذان و لا إقامة، وقال:" يجزئنا أذان الحي و إقامتهم " (119).
2 - و لأن الأذان قد ألقي، و هم مأمورون بإجابته، وقد أجابوه (120).
و يمكن أن يجاب عن ذلك:
1 - بأن فعل عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – محمول على بيان الجواز.
2 - و أما التعليل المذكور فلا يسلم حصره في ذلك، إذ أن الإجابة قد تمت وانقضت بإجابة الجماعة الأولى.
أدلة القول الثالث:
استدل الشافعية على قولهم بما يأتي:
1 - فعل أنس - رضي الله عنه - حيث أذن و أقام لما جاء لمسجد صلي فيه (121).
2 - أن الدعوة الأولى قد تمت بالإجابة، فاستحب النداء للثانية (122).
أدلة القول الرابع:الجمع بين أدلة القول الثاني و الثالث.
الترجيح:
الذي يظهر – والله أعلم – أن القول الثالث هو الأقرب و يتأيد بما ورد في فضل الأذان، والحث عليه، و الله أعلم.
أثر مكبرات الصوت على هذه السنة:
يقصد بهذا الأثر:
من جاء لمسجد سبقت فيه جماعة و أراد الصلاة فهل يؤذن بالمكبر أو لا؟
فأقول:
¥