قال أبو عبد الرحمن: إذا أمضى ولاة الأمر الحكم بدخول الشهر: فلا يجوز لأحد الشغب على الجماعة، أو الخروج عنهم بفطر أو صيام.
وإنما يرجو رجال العلم الشرعي وعلماء الهيئة الذين لهم علم حسي يقيني محقق من ولاة أهل الحل والعقد فينا أن يغربلوا شهادة الشهود وفق البينات الأخرى، وأن يتحققوا الأمر في حالة من الحالات يقول فيها العلم الحديث، ويقول فيها محققو علمائنا السالفين: إن الرؤية فيها غير ممكنة.
ـ[الدكتور محمد بن عبدالله العزام]ــــــــ[01 - 10 - 06, 05:29 م]ـ
يظهر أن الإخوان لم يدركوا فحوى ما أقول، ولا لماذا وضعت صورة موقع الهلال.
وتسعة أعشار ما كتبوه، جزاهم الله خيراً، أنا أوافق عليه وأدين الله به، وأنا بحمد الله أصوم مع الناس وأفطر مع الناس. ولكنني على يقين من دقة الحساب الفلكي، وقد جرَّبته بنفسي عشرات المرات فوجدته دقيقاً مائة بالمائة، وإن أراد أحدكم نشرنا صورة الهلال في أي ليلة يختارها من المستقبل، وليطابق الصورة على الواقع عندما تأتي تلك الليلة.
ومن يشكّ في ذلك فليعتبر دقة معرفتنا بأوقات الكسوف والخسوف.
وأنا أتحدث عن الحساب الفلكي المعاصر، بعد أن بلغ العلم مبلغه، لا عن الحساب الموجود في عصر شيخ الإسلام.
وههنا ملحظ مهم يجب أن يعيه الإخوة، وهو أن ما تنشره الصحافة أحياناً على لسان بعض الفلكيين: أن الهلال لا يمكن أن يرى هذه الليلة، ليس معناه بالضرورة أن الهلال غير موجود، فكثيراً ما يكون المقصود أن الهلال موجود بعد الغروب ولكنه قريب من الأفق بحيث يظن القائل أن رؤيته غير ممكنة. وهذا اجتهاد من القائل، وهو لا يتعلق بدقة الحساب، بل بتقدير القائل لظروف الرؤية وقوة أبصار الناس. كما لو قال: لا تمكن رؤيته بسبب السحاب، فلا يستغرب أن يراه بعض الناس من فرجة في السحاب.
وكذلك قول من يقول: الشاهد رأى كوكب عطارد ... إلخ. فهذا اجتهاد منه، وليس الحساب الفلكي هو الذي يقول ذلك.
واشتهار بعض الشهود برؤية الهلال، وظهورهم في الجرائد والقنوات الفضائية، لا يزيدني قناعة بصحة شهادتهم، بل هو عندي جزء من المشكلة.
والذي أراه أننا لا نحتاج إلى الحساب أصلاً، بل إلى الرؤية الصحيحة المؤكدة. ومع ذلك لا أرى إمكان وجود أي تعارض بين الرؤية الصحيحة والحساب الصحيح، فإن رأى الشاهد هلالاً موجوداً بعد غروب الشمس فلا إشكال، بصرف النظر عن فترة المكوث.
والإشكال عندما يشهد الشهود برؤية هلال يجزم أهل الاختصاص من المسلمين أنه غاب قبل الشمس. فإما أن تكون الشهادة غير دقيقة لأي سبب، وإما أن يكون علم الفلك باطلاً من أساسه، لا محالة. كما وقع مساء الجمعة: فالصورة المنشورة تطابق ما هو مكتوب في تقويم أم القرى، الذي نعتمد عليه في صلواتنا، من أن القمر يغرب في مكة الساعة 6:17 والشمس الساعة 6:18، وكتب في ورقة التقويم بين قوسين (يغرب قبل الشمس). ومع ذلك شهد أقوام برؤيته بعد غروب الشمس وأجيزت شهادتهم، ووقع الاضطراب بين المسلمين. فإما أن يكون تقويم أم القرى والحساب الذي أقيم عليه باطلاً وإما أن تكون الشهادة غير صحيحة، لا محالة.
ولا شكّ أن القاضي وفقه الله قد اجتهد في قبوله لهذه الشهادة، بناء على ظاهر حال الشاهد، أو على مقدار معرفة القاضي بالأهلة. والقاضي غير معصوم، فقد يصحّح شهادة غير صحيحة أو يردّ شهادة صحيحة. والحال ههنا أن لديه المقدرة على تصحيح الشهادة بصورة لا تقبل الشكّ، لأن الحادثة المشهود عليها معروف وقت وقوعها سلفاً، وهو مغرب آخر ليلة من شعبان. فما المانع أن يخرج القاضي بنفسه مع الشهود ويرى الهلال بعينه أو بالناظور معهم. مع العلم بأنه يخرج أحياناً للوقوف على الأراضي ومسايل الماء المتنازع عليها، ولرعاية أموال الأيتام، وضبط شهادة شاهد لا يستطيع الحضور، كما أنه يحضر كثيراً من المناسبات الاجتماعية طيلة العام. وفي خروجه بنفسه مصالح مهمة، أعظمها تصحيح أوقات هذه الشعائر العظمى: الصوم والفطر والحج وصيام عاشوراء، وحفظ هيبة بلادنا وعلمائنا، وسدّ باب جدل نحن في غنى عنه.
وتراءي الهلال ليس بدعاً في ديننا، وإليك بعض النصوص:
(1) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ فَرَأَيْتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي قَالَ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ أَمَا تَرَاهُ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ قَالَ يَقُولُ عُمَرُ سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي (صحيح مسلم)
(2) عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ قَالَ فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْنَا إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ فَقَالَ أَيَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ قَالَ فَقُلْنَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ (صحيح مسلم)
(3) قال ابن عمر رضي الله عنهما: تراءينا الهلال فرأيته فأخبرته صلى الله عليه وسلم فصام، وأمر الناس بالصيام.
(4) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تراءينا الهلال على عهد رسول الله عليه السلام فجاء أعرابي فشهد أنه رأى الهلال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا اله إلا الله وتمامه؟ قال: نعم. فقال: يا بلال ناد في الناس أن يصوموا غداً.
(5) قال القاضي ابن حجر العسقلاني في حوادث سنة تسع وثلاثين وثمانمائة: واستهل شهر ذي الحجة بالسبت وكنا تراءيناه فتعسرت رؤيته ثم ثبت في اليوم الثاني (إنباء الغمر)
(6) أنشدني علي بن الطستاني لنفسه ونحن نتراءى الهلال ليلة عيد الفطر ... إلخ (ذيل تاريخ بغداد)
وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام
¥