وإذا كان أمر هذه المسائل موكولاً من حيث الإثبات لجهة مختصة من أهل الشرع ووجد في هذه الجهة المختصة تقصير في الأداء أليس من النصح الواجب على المستطيع من المسلمين لفت النظر إلى تقصير هذه الجهة والتعاون معها في إكمال النقص أو العدول عن الخطأ؟ فالنصيحة واجبة لأئمة المسلمين وعامتهم على كل مستطيع.
وأما قول فضيلته: آن الأوان أن تعترفوا وأنتم الآن مختلفون فما هو الاختلاف يا معالي الشيخ؟
جميع علماء الفلك متفقون على أن الولادة - ولادة الهلال- تتم في لحظة واحدة بالنسبة للراصد من الأرض في جميع أنحاء الأرض والاختلاف في تحديد ذلك بالنسبة لتوقيت كل مكان في الأرض.
وفيما يلي تعريف بمعنى الاقتران ومعنى الولادة وهو تعريف صادر من المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية. مُوقَّع عليه من الأستاذ الدكتور محمد أحمد سليمان أستاذ الفيزياء الشمسية بقسم بحوث الشمس والفضاء في المعهد القومي بحلوان بمصر، ومن الأستاذ الدكتور صلاح محمد محمود مدير المعهد وهذا نص التعريف:
الاقتران هو وقوع مركز القمر على خط الاقتران وهو الخط الواصل بين مركزي الأرض والشمس وتكون مساحة الجزء المضاء من القمر بالنسبة للراصد على الأرض صفراً؛ نظراً لسقوط أشعة الشمس عمودياً على سطح القمر فتنعكس إلى سطح الشمس ثانية.
أما الميلاد فهو بعد أن يفارق مركز القمر خط الاقتران بلحظة تسمح بوجود أي نسبة مضاءة من سطح القمر ولو ضئيلة وإن كانت هذه النسبة لا تسمح برؤيتها على سطح الأرض إلا حينما يغادر القمر خط الاقتران بحوالي ثماني درجات.
وعلى أي حال فلا يستطيع شيخنا ومن يستعين به أن يجدوا اختلافاً بين علماء الفلك في الولادة وحصولها في لحظة واحدة باعتبار الراصد من الأرض.
فأي اختلاف فرح به شيخنا ليحين الأوان للاعتراف بالاختلاف وبطلان الإجماع على تحديد ولادة الهلال بلحظة واحدة.
فالاختلاف في إمكان الرؤية بعد الولادة وليس في الولادة.
ونحن نقول إن هذا الاختلاف بعد الولادة لا قيمة له فمتى ولد الهلال قبل غروب الشمس ولو كان بزمن يسير وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس أمكن اعتبار هذه الرؤية لانفكاكها عما يكذبها.
ونصيحة فضيلته لإخوانه علماء الفلك ومَنْ يرى من علماء الشرع الاستعانة بعلم الفلك أن ينبذوا الهوى، ويثبتوا على الشرع، ويلزموا الجماعة، ويتقوا الله ربهم.
فنقول: جزاك الله خيراً يا أبا محمد على هذه النصيحة التي نحن وأنت محتاجون إليها وسامحك الله إن كنت ترانا نتبع الهوى فأي هوى نتبعه؟
هل علم الفلك آراء شاذة لا يقول بها إلا من يتبع الهوى؟
أم هو علم له مقوماته وقواعده وأصوله ونظرياته التي وصلت بالإنسان إلى أن يتخطى به الأرض وغلافها وأن يصل إلى آفاق من الكون وغرائب الفضاء واستكشاف الكثير من خصائص الكون وتركيباته ونحن تجاه التشكيك في هذا العلم أو إنكاره كالنعامة تدفن رأسها في التراب وتنكر ما حولها.
أما النصيحة بالثبات على الشرع فهو توجيه سليم إلا أنه مغلف بالقول بأن علم الفلك ونظرياته ونتائجه العلمية والميدانية والتطبيقية وأهل هذا العلم ليسوا مع الشرع ولا على الثبات عليه.
ويا ليت شيخنا يستغفر الله ويدعو لإخوانه كفارة لظنه فيهم، فأي ميل عن الشرع يكون من علماء الفلك حينما يقولون باستحالة رؤية الهلال بعد غروب الشمس آخر الشهر والحال أن الهلال لا يولد إلا بعد غروب الشمس بمعنى أن الهلال متقدم على الشمس فهو يغرب قبلها وهي تغرب بعد غروبه.
هل مخالفة الشرع في رد شهادة لم تنفك عما يكذبها من حيث الحس والواقع أو أن مخالفة الشرع في قبول شهادة لم تنفك عما يكذبها .. فأي الفريقين أولى بالمخالفة؟
هل شهادة الشاهد على الرؤية مقبولة مطلقاً أم أن قبولها مشروط بشرطين؛
أحدهما أن تكون الشهادة ممكنة الوقوع،
والثاني أن يكون الشاهد عدلاً.
فإذا كانت الشهادة غير ممكنة الوقوع مرتبطة بما يكذبها فهل الشرع يقبل هذه الشهادة أم يرفضها فيردها؟
وهل رد القاضي هذه الشهادة يعتبر جنوحاً وميلاً عن الشرع ومخالفة له؟
وإذا كان معاليه يرى أن ربط إثبات رؤية الهلال بالولادة قبل غروب الشمس أو بعده نوع من الميل عن الشرع فهذا مما يستغرب أن يصدر من مرجعية شرعية مختصة بإثبات الرؤية.
¥