3 - انحسار علم الفقه عن عامة الناس نتيجة التعقيد وصعوبة الالفاظ، مما يشعر بالحاجة الى وجود ادوات خاصة لنشر الثقافة الفقهية بين الاوساط المثقفة، وكذا الاوساط العلمية والحقوقية في العالم التي ابدت في مناسبات عديدة رغبتها في التعرف على المادة الفقهية والقانونية للفقه الاسلامي خاصة الفقه الامامي، لما يمتاز به من عناصر الغنى والاصالة وخصوبة المادة وسعتها.
من اجل ذلك ادركت كثير من الاوساط العلمية والاسلامية ضرورة هذا الامر فتنادت لذلك، واطلقت دعوات عديدة في هذا المضمار لاستنهاض الطاقات وحشدها للقيام بهذا المهم، فكانت ثمة مبادرات ومحاولات نجح بعضها فيما اخفق الآخر منها، وفي هذا المقال نسلط الضوء على بعض الموسوعات ودوائر المعارف الفقهية التي صدرت في عالمنا الاسلامي، وسوف نقدم لذلك تعرفة اجمالية عن دوائر المعارف وتاريخها واقسامها وما يتصل بذلك.
دائرة المعارف في الاصطلاح:
تطلق دائرة المعارف او الموسوعة على البحوث المستفيضة الواسعة التي تجمع بين دفتيها من الحقائق والمعارف جميع ما يدخل في دائرة العلم الانساني مما يحتاجه البشر في حياته او تشتمل على فرع من فروع المعرفة البشرية بطريقه خاصة.
ويقابل هذا الاصطلاح كلمة: الانسيكلوپديا
(چخحرردح ش ح ذب) وهو تعبير يوناني قديم يطلق على سبعة موضوعات تعتبر العلوم آنذاك، وهي: (الصرف والنحو) والمنطق والبلاغة والحساب والهندسة والموسيقى والهيئة. وقد استعملت الانسيكلوپديا لاول مرة في انجلترا عام 1531 م، وفي فرنسا سنة 1532 م، وفي المانيا سنة 1559 م، فاطلقت على المدونات الجامعة لعدة علوم وفنون مختلفة، ففي فرنسا اطلقت الانسيكلوپديا على القاموس العام للعلوم والفنون والحرف، وكان صاحب الفكرة في وضعه جان پول دي مالف، ولكن توقف فيه فعهد به الى ديدرو الذي اصدر الجزء الاول سنة 1751 بمساعدة مونتسكيو وفولتير وروسو، واستمر حتى انجزه سنة 1772 م.
وتختلف دوائر المعارف عن القواميس، حيث ان الثانية تقدم تعريفا لغويا مختصرا عن الكلمة او المادة التي يراد تعريفها، فيما تتوسع دوائر المعارف لبيان معناها الاصطلاحي في هذا العلم او ذاك مع التعرض لتاريخ الفكرة واقسامها وجميع ما يتصل بالفكرة من بحوث ومطالب.
ثم ان الترتيب الذي تنتظم على اساسه بحوث دائرة المعارف اما هو الموضوع بحيث يكون هو المحور، واما هو الترتيب الالفبائي بحيث يكون تهجي حروف الكلمة هو الاساس. ويطلق على الاولى دوائر المعارف الموضوعية ويطلق على الثانية دوائر المعارف القاموسية او الالفبائية. وسياتي مزيد بيان لهذين النوعين عند الحديث عن اقسام دوائر المعارف والموسوعات. وليس هنا ما يذكر بعد تحديد المعنى المصطلح لدائرة المعارف سوى التعليق على ما افاده بعض الباحثين حيث قال في مقام التفرقة بين دائرة المعارف والموسوعة: «والفرق بين الموسوعة والمعجم او دائرة المعارف فيما جرى عليه الاصطلاح الحديث هو ان نظام التاليف في المعجم وفي دائرة المعارف قائم على الحروف الهجائية ..
اما الموسوعة فلا تلتزم بحوثها باي نظام في طريقة التاليف غير نظام المواضيع على ان تكون واسعة الغرض، كثيرة الاحاطة ليكون اطلاق اسم (الموسوعة) عليها مطابقا للواقع ... ».
والنص السابق وان كان يعطي تحديدا لمصطلح «الموسوعة» على ضوء ما كتب من بحوث ومؤلفات موسوعية تجمع في طياتها علوما شتى وفنونا مختلفة في الادب والتاريخ والطب والاخلاق والشرائع واساليب الكتابة والانشاء وغير ذلك مما يتحكم في جمع شتاته وحدة الموضوع وجرى عليه نظام التاليف عند المتقدمين، الا انه يمكن ان نلاحظ في استعمالات المحدثين والمتاخرين تزاوجا وتقاربا بين الاصطلاحين فنجدهم في الوقت الذي لا يجانبون فيه الطريقة الموسوعية في استدعاء المعلومات المتصلة البحث يوظفون ايضا الطريقة القاموسية في ترتيب البحوث وتنسيقها مغفلين في ذلك الطريق الموسوعية القديمة القائمة على اساس وحدة الموضوع. وعلى ضوء هذا التوسع في اطلاق «الموسوعة» فقد زاوج المصطلح الجديد بين خصوصية دوائر المعارف فيما تتوفر عليه من اعتماد الطريقة القاموسية وبين صفة الموسوعية في البحث وجمع متفرقاته وشتاته.
¥