والذي يبدو ان اول ظهور هذا النمط كان في العالم الغربي، وان كان ترتيب المعاجم والقواميس اللغوية او الرجالية وغيرهما قد عرفه علماء المسلمين منذ امد بعيد الا ان هذا الترتيب الحديث في تدوين العلوم والمعارف كان من ابتكار الغربيين. قال في الذريعة: «ان تاليف الموسوعات في الاسلام كثيرة وقديمة، ولا يمكن جمعها في عدة صفحات، ثم قال:
واما تاليف دائرة معارف عامة بمالها من المعنى اليوم فلم تبرز الى الوجود في الممالك الاسلامية ايران ومصر وتركيا وغيرها الا في اواخر القرن الثالث عشر واوائل القرن الرابع عشر».
ولعل روبرت اسطفانوس هو اول من الف دائرة معارف ابجدية سنة (1544 م) في باريس، رتب بحوثها على حروف المعجم.
ثم تابعه على ذلك شارل اسطفانوس حيث طبع دائرة معارف الفبائية في باريس سنة (1553 م)، ثم زاد عليها لويد فوائد كثيرة، وطبعها في آكسفورد (1617م) ثم في لندن (1686م).
وهكذا اخذت دائرة المعارف موقعها في الاوساط الغربية كبديل عن عشرات المصادر التي يحتاج اليها الباحث، فكانت نعم الاداة لاختصار عامل الزمن وتقليل الجهود.
وتعتبر دائرة المعارف التي قام بتاليفها العالم الفرنسي المعروف: ديديروت ( Diderot) ما بين عام (1751م الى 1772م)، من اشهر دوائرالمعارف آنذاك في العالم الغربي، لما كانت تحمله من الحداثة، حيث كانت تهدف الى انقلاب كامل في طريقة التفكير العام. تلك النهضة العقلية والفكرية التي هيات الارضية للثورة السياسية في فرنسا، وقد شاركه في تحرير بحوثها ثلة من المفكرين من امثال دالامبير وروسو والفيلسوف الحسي كوندياك وغيرهم، وقد صدرت بعد احدى وعشرين سنة في سبعة عشر مجلدا من النصوص واربعة عشر مجلدا من اللوحات، كما يجب ان لا يغفل دور كل من پيربل (1706 م) ولوئي مورري الفرنسيين وجان آلسند (1638 م) وجان هاريس (1719 م) وچيمبرز وغيرهم ممن اسس وكتب دوائر المعارف في العالم الغربي.
وقد تميزت منهجية دوائر المعارف والموسوعات باصطلاحها الجديد في تنظيم وتاليف بحوثها بجملة من الخصائص، نشير الى اهمها بشكل اجمالي:
اولا: التقيد بصياغات حديثة لا تعلو على افهام المبتدئين، ولا تنبو عنها اذواق المتخصصين، بل تعين المثقف على نيل ما يريد باقصر وقت ممكن، فلا يحول بينه وبين مقصوده التواء التعبير، او ضمير يبحث عن مرجعه، او عبارة معترضة لا يعرف حدها، او مصطلح يستعصي عليه فهمه. ونقطة مهمة ايضا تلاحظ في الصياغة، وهي ان تكون المطالب باخصر التعابير واقصرها تجنبا لحشو الكلام وزيادته.
ثانيا: وجود ضابطة علمية تتحكم بمنهج البحث ومادته، فكل فقرة او فكرة تذكر في محلها المناسب الذي يترقب وجودها فيه. والاصل الاساسي في هذه الضابطة في العمل الموسوعي يقوم على اساس: «تجميع المتفرقات، وتفريق المجتمعات» وتطبيق هذا الاصل بحاجة الى ذوق رفيع ومهارة عالية في الموازنة بين البحوث من اجل توزيعها او تجميعها. وبعد ذاك فلا مجال لمنطق الصدفة في طرح البحوث، او الكلام يجر الكلام، او اقتفاء اثر الاعلام، او تتميما للفائدة، او بحث استطرادي او غير ذلك مما درج عليه المنهج التقليدي.
ثالثا: وضع البحوث تقدما وتاخرا يخضع للترتيب الالفبائي (القاموسي). فالمحور هو مادة الكلمة لا الموضوع، كما عليه الموسوعات الموضوعية والمناهج المدرسية الاخرى. والخاصة في هذا الاسلوب الدلالة على المعلومات بشكل يتيسر على الباحث الظفر بمراده وان لم يكن من اهل ذلك العلم او يعوزه الالمام بمواطن البحث فيه.
ولا يخفى ما توفره هذه الخصائص بمجموعها سيما الاولتين على الباحث من وقت وجهد مما يسهم في رفد حركة العلم وتنميتها وفي تطوير القابليات التي قد يذهب شطر كبير منها في المناهج التقليدية لتاول العبارات وتفسيرها او لحشد متفرقات البحث وجمعها، الامر الذي قد يتكرر بشكل غير مدون ولا منضبط مرات عديدة بحسب عدد الباحثين.
رابعا: يتسم المنهج الموسوعي بالحيادية التامة ازاء الاتجاهات والاراء المعروضة والتي تتجاذب الفكرة الواحدة. وعلى هذا، فلا تسوغ الموازنة والترجيح بين الاراء ولا المحاكمة بين الادلة، بل ذلك متروك امره للقارى ء.
¥